الظروف الصعبة التي عاشها العراقيون جعلت الحفاظ على العادات والتقاليد أمراً صعباً. حياة مليئة بالحروب والحصار جعلت كثيرين يعيشون الفقر. بدأت المعاناة خلال الحصار في عام 1991، ثم الغزو الأميركي في عام 2003. وزادت نسبة الفقر في ظل حكومات وُصفت بالفساد من قبل جهات دولية ومحليّة مختلفة، وفقاً لوثائق تتعلق بصرف موازنات البلاد المالية، ما جعل العراق يحتل مركزاً متقدماً بين الدول الأكثر فساداً بحسب مؤشر مدركات الفساد، الذي تصدره سنوياً منظمة الشفافية الدولية.
يضاف إلى ذلك ظهور مليشيات واقتتال طائفي أدى إلى تشريد أعداد كبيرة من المواطنين، إضافة إلى تنظيمات إرهابية كـ "القاعدة" ثم "داعش"، ما أدى إلى زيادة أعداد القتلى والنازحين، ورفع من نسبة الفقر في البلاد. كل تلك الظروف الرئيسية كانت وراء تخلي نسبة كبيرة من العراقيين عن عادات متوارثة، منها عمل المرأة، الذي كان يعد من الممنوعات كونه يخل بكرامة الرجل الذي يتوجب عليه العمل لسد حاجات عائلته، خصوصاً في مناطق الجنوب.
في محافظة ميسان (365 كلم جنوب بغداد)، لم يألف مركز المدينة في سنوات سابقة هذا الكم من النساء اللواتي يعملن في وظائف حكومية، بينهن طالبات جامعيات. تقول فاطمة كاظم إنها وجدت تشجيعاً ودعماً من عائلتها، فأكملت دراستها الجامعية قبل عامين ثم حصلت على وظيفة بتخصصها في المحاسبة، ما يخالف عادات عائلتها. تضيف: "والدتي التي أكملت تعليمها الثانوي، لم يسمحها لها والدي بالعمل حين جاءتها فرصة ذهبية للعمل مع شركة أهلية، على الرغم من حاجتنا للمال في حينها، لأنه يرى ذلك عيباً وجرحاً لكرامته".
اقــرأ أيضاً
تشير فاطمة لـ "العربي الجديد" إلى أنها تساعد عائلتها، لافتة إلى أن كثيرين يتقدمون لخطبتها منذ حصولها على وظيفة، "إذ صار الشبان يفضلون الارتباط بنساء عاملات حتى يساعدن في الإنفاق على المعيشة". تضيف: "لن أتسرع. سأختار الأفضل، كما أن على الرجل الاستجابة لشروطي منها العيش في بيت مستقل".
وما يُثير الدهشة هو رغبة أهالي القرى في أن تكمل بناتهم الدراسة للحصول على وظيفة جيدة. تقول بسمة فيصل إن حياة المرأة الريفية لم تعد محصورة بالزراعة والرعي. وتلفت إلى أنّ غالبيّة العاملات في دوائر حكومية مختلفة ومؤسسات تعليمية وصحية في القرى والأقضية المجاورة يتحدرن من الأرياف المجاورة. توضح بسمة لـ "العربي الجديد" أنّها خرقت العادات في قريتها حين عملت موظفة إدارية في مستوصف صحي قريب من قريتها قبل خمسة أعوام، و"صرت قدوة لأخريات"، حتّى بات كثيرون في قريتها يدفعون بناتهم للعمل، ولم يعد عمل المرأة عيباً كما كان في السابق.
من جهته، يفخر محمد النداوي بأن أبناء قريته وقرى مجاورة يلجؤون إلى ابنته الكبرى لاستشارتها والطلب منها الترافع عنهم في المحاكم. فمنذ ثلاثة أعوام، التحقت زينب بالعمل في مكتب محاماة بعد تخرّجها من كليّة القانون، لتكون أوّل محامية من القرية وعدد من القرى المجاورة في شمال بغداد.
يقول النداوي لـ "العربي الجديد": "أنا سعيد جداً بابنتي وفخور أيضاً. رزقني الله بأربع بنات وزينب هي الكبرى. ابنتي الثانية تدرس في كلية الهندسة، ولديّ ابنتان في المرحلة الثانوية. اليوم، كل أبناء القرى يدفعون ببناتهم إلى نيل شهادات جامعية والحصول على فرصة عمل جيدة. هذا الأمر لم يكن معروفاً بيننا في السابق، إذ كنت أرى أن عمل المرأة أو حتى إكمال دراستها الجامعية عيب. هنا، المرأة عملها في بيتها".
ويؤكد النداوي أن ابنته المحامية ساعدته كثيراً منذ بدأت تعمل. "كثيراً ما كنت أعجز عن توفير احتياجات، حتى تلك الضرورية. أنفقت زينب على ترميم المنزل، كما تنفق على دراسة أخواتها أيضاً".
اقــرأ أيضاً
ومن بين ما يدفع العائلات العراقية إلى تشجيع بناتها على العمل "إنقاذهن من العنوسة". وبحسب تقارير منظمات دولية، يبلغ عدد العوانس في العراق 70 في المائة. ويبلغ عدد الإناث في المجتمع العراقي 17.685 مليوناً. وتقول جميلة عبد الحسن إنها تتألم كثيراً كلما شاهدت ابنة شقيقها التي لم يتقدم لخطبتها أحد وقد بلغت 32 عاماً. تضيف أن شقيقها "يؤنب نفسه كثيراً كونه منع ابنته من مواصلة دراستها"، لافتاً إلى أنها "لربما حصلت على وظيفة وأصبح لها حظ في الزواج".
تضيف لـ "العربي الجديد": "تصرّف شقيقي أصبح درساً لي. لذلك، أصرّ على أن تُكمل بناتي دراستهن. أكبرهن في المرحلة الأولى من الجامعة، وأملي أن تحصل على وظيفة لتزداد حظوظها في الزواج".
يضاف إلى ذلك ظهور مليشيات واقتتال طائفي أدى إلى تشريد أعداد كبيرة من المواطنين، إضافة إلى تنظيمات إرهابية كـ "القاعدة" ثم "داعش"، ما أدى إلى زيادة أعداد القتلى والنازحين، ورفع من نسبة الفقر في البلاد. كل تلك الظروف الرئيسية كانت وراء تخلي نسبة كبيرة من العراقيين عن عادات متوارثة، منها عمل المرأة، الذي كان يعد من الممنوعات كونه يخل بكرامة الرجل الذي يتوجب عليه العمل لسد حاجات عائلته، خصوصاً في مناطق الجنوب.
في محافظة ميسان (365 كلم جنوب بغداد)، لم يألف مركز المدينة في سنوات سابقة هذا الكم من النساء اللواتي يعملن في وظائف حكومية، بينهن طالبات جامعيات. تقول فاطمة كاظم إنها وجدت تشجيعاً ودعماً من عائلتها، فأكملت دراستها الجامعية قبل عامين ثم حصلت على وظيفة بتخصصها في المحاسبة، ما يخالف عادات عائلتها. تضيف: "والدتي التي أكملت تعليمها الثانوي، لم يسمحها لها والدي بالعمل حين جاءتها فرصة ذهبية للعمل مع شركة أهلية، على الرغم من حاجتنا للمال في حينها، لأنه يرى ذلك عيباً وجرحاً لكرامته".
تشير فاطمة لـ "العربي الجديد" إلى أنها تساعد عائلتها، لافتة إلى أن كثيرين يتقدمون لخطبتها منذ حصولها على وظيفة، "إذ صار الشبان يفضلون الارتباط بنساء عاملات حتى يساعدن في الإنفاق على المعيشة". تضيف: "لن أتسرع. سأختار الأفضل، كما أن على الرجل الاستجابة لشروطي منها العيش في بيت مستقل".
وما يُثير الدهشة هو رغبة أهالي القرى في أن تكمل بناتهم الدراسة للحصول على وظيفة جيدة. تقول بسمة فيصل إن حياة المرأة الريفية لم تعد محصورة بالزراعة والرعي. وتلفت إلى أنّ غالبيّة العاملات في دوائر حكومية مختلفة ومؤسسات تعليمية وصحية في القرى والأقضية المجاورة يتحدرن من الأرياف المجاورة. توضح بسمة لـ "العربي الجديد" أنّها خرقت العادات في قريتها حين عملت موظفة إدارية في مستوصف صحي قريب من قريتها قبل خمسة أعوام، و"صرت قدوة لأخريات"، حتّى بات كثيرون في قريتها يدفعون بناتهم للعمل، ولم يعد عمل المرأة عيباً كما كان في السابق.
من جهته، يفخر محمد النداوي بأن أبناء قريته وقرى مجاورة يلجؤون إلى ابنته الكبرى لاستشارتها والطلب منها الترافع عنهم في المحاكم. فمنذ ثلاثة أعوام، التحقت زينب بالعمل في مكتب محاماة بعد تخرّجها من كليّة القانون، لتكون أوّل محامية من القرية وعدد من القرى المجاورة في شمال بغداد.
يقول النداوي لـ "العربي الجديد": "أنا سعيد جداً بابنتي وفخور أيضاً. رزقني الله بأربع بنات وزينب هي الكبرى. ابنتي الثانية تدرس في كلية الهندسة، ولديّ ابنتان في المرحلة الثانوية. اليوم، كل أبناء القرى يدفعون ببناتهم إلى نيل شهادات جامعية والحصول على فرصة عمل جيدة. هذا الأمر لم يكن معروفاً بيننا في السابق، إذ كنت أرى أن عمل المرأة أو حتى إكمال دراستها الجامعية عيب. هنا، المرأة عملها في بيتها".
ويؤكد النداوي أن ابنته المحامية ساعدته كثيراً منذ بدأت تعمل. "كثيراً ما كنت أعجز عن توفير احتياجات، حتى تلك الضرورية. أنفقت زينب على ترميم المنزل، كما تنفق على دراسة أخواتها أيضاً".
ومن بين ما يدفع العائلات العراقية إلى تشجيع بناتها على العمل "إنقاذهن من العنوسة". وبحسب تقارير منظمات دولية، يبلغ عدد العوانس في العراق 70 في المائة. ويبلغ عدد الإناث في المجتمع العراقي 17.685 مليوناً. وتقول جميلة عبد الحسن إنها تتألم كثيراً كلما شاهدت ابنة شقيقها التي لم يتقدم لخطبتها أحد وقد بلغت 32 عاماً. تضيف أن شقيقها "يؤنب نفسه كثيراً كونه منع ابنته من مواصلة دراستها"، لافتاً إلى أنها "لربما حصلت على وظيفة وأصبح لها حظ في الزواج".
تضيف لـ "العربي الجديد": "تصرّف شقيقي أصبح درساً لي. لذلك، أصرّ على أن تُكمل بناتي دراستهن. أكبرهن في المرحلة الأولى من الجامعة، وأملي أن تحصل على وظيفة لتزداد حظوظها في الزواج".