كم جاء سريعاً رد المنظومة الذكورية ـ الأبوية ـ السياسية ـ المتخلفة في بلادنا على وجودنا، نحن النساء، في الحيز العام. متظاهرات، ومحتجّات، وراقصات وناشطات وغاضبات كرّسن نضالاتهن في يومهن العالمي. إيران والسعودية، بالرغم من خلافهما السياسي، إلا أنهما على وقع مشترك تتشاركان أدوات القمع والاضطهاد والتخويف والعزل الأبوي والذكوري للناشطات النسويات، وتمارسان بشكل أو بآخر نفس شكل القمع باستخدام السجن والقضاء، لتخويف النساء وردعهن لترهيب غيرهن من الناشطات.
نسرين سوتودة ـ ناشطة حقوقية إيرانية صدر الحكم بحقها في حزيران 2018 بالحبس خمس سنوات، بسبب نشاطها الحقوقي ومدافعتها عن النساء اللواتي تظاهرن ضد لبس الحجاب في إيران. لم يكتف النظام بعزل وتقييض حرية نسرين، بل تمادى عبر القضاء الذكوري بإصدار عدة أحكام، في مطلع هذا الأسبوع، أقساها السجن 38 عاماً إضافية والجلد 148 جلدة، وذلك بناءً على تهم ومزاعم "التشجيع على الفساد والبغاء"؛ وحكم بالسجن خمس سنوات بتهمة الحضور بلا حجاب.
لجين الهذلول ـ ناشطة حقوقية سعودية سُجنت في أيار 2018 (مع ثلاث نساء أخريات) "بتهمة الإرهاب والاشتباه بالإضرار بمصالح البلاد وتقديم الدعم لعناصر مادّية في الخارج". لجين سُجنت وعذّبت لأنها نشطت وطالبت بحق النساء بالحرية وبالقيادة وبتقرير المصير. بعد عشرة شهور قضتها لجين والأخريات في السجن، تعرضن خلاله للتعذيب والاعتداء الجنسي، بحسب بعض النشطاء، وبالتزامن بالصدفة مع اليوم العالمي للنساء، تُحال لجين للمحاكمة من دون السماح لها بتعيين محام أو إعطائها لائحة الاتهام.
تلخّص هاتان الحالتان الكثير من واقع النساء في الشرق التعيس. النساء يُقتلن، ويُهاجمن بالأسيد، ويُقمعن، ويُهجّرن، ويُعتقلن، ويُمعن في إفقارهن، ويُمنعن من حريتهن ومن تقرير مصائرهن، ويُغتصبن. وإذا تكلمن أو انتفضن أو تظاهرن، يسجنّ، ويُحاكمن ويعذّبن. النساء ضحايا، والنساء المدافعات عن حقوق الناجيات ضحايا. بات عصب المنظومة الذكورية يشتدّ بشكل عميق، وباتت لا تتوانى عن استخدام كل أنواع "أسلحة القمع" المشروعة وغير المشروعة في وجه النساء والناشطات.
للمنظومة الذكورية أوجه قميئة عديدة وأقنعة كثيرة. قد يأتي على شكل اعتداء جنسي (لا تحرش) من زميل في حانة في بيروت، وقد يأتي على شكل "اعتذار" استعلائي لامرأة تعرضت لنفس الاعتداء الجنسي في الحانة، وقد يأتي على شكل اعتداء بالأسيد على أجساد النساء في باكستان، وقد يأتي بقيء وسطوة ذكوريين على صورة وضعتها ناشطة أو إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو على شكل محاكمة وحبس واعتداء وقتل للناشطات.
لا نعلم بعد كيف السبيل للقضاء على هذا النظام الذكوري. فكلما ازداد الإصرار النسوي، ازداد القمع والقتل. لكن الأكيد الذي نعلمه، هو أننا لسنا بحاجة لأمين عام للأمم المتحدة ليخبرنا بأن الوضع خطير وبأن الردة الذكورية تزداد حدّة.
(ناشطة نسوية)