لا تذكر بدرية فريجة بلدتها الفلسطينية. لكنّها تحفظ عن ظهر قلب حياة الطمأنينة والأمان التي كان يعيشها أهلها
حملها أهلها على أكتافهم حين خرجوا من فلسطين خلال رحلة اللجوء عام 1948، وكانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات. لم يبق في ذاكرتها سوى صور بسيطة كأنها في حلم. إلا أن أهلها أخبروها ما حدث في وقت لاحق. كانوا عشرة مع الأم والأب. والدها كان يعمل في بلدته الخالصة مزارعاً ويعيش من خير أرضه. وكانت أشجار الحامض والليمون والرمان تملأ البستان الذي كانت رائحته تمتزج برائحة التراب، الذي يبعث في النفس طمأنينة. لم يكن هاجس التهجير موجوداً ولا الحرب على البال. كثيراً ما أخبرتها والدتها عن خيرات البلاد. الخيرات والأمان في بيت متواضع وفي بلدة متواضعة في فلسطين، والبستان، والوطن الذي لا يشبهه أي مكان في العالم.
بدرية محمد فريجة فلسطينية تعيش اليوم في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في مدينة صيدا (جنوب لبنان). ولدت عام 1945، وتنحدر من بلدة الخالصة في فلسطين. تقول بدرية: "خلال فترة اللجوء، لم أكن أدرك ما يحصل حولي. لكنني عرفت الحرب والموت الذي كان وما زال يلاحقنا. وحين اعتدى الصهاينة على بلدنا، قرر أهلي الهرب خوفاً من بطشهم، وتركنا كل شيء خلفنا. هذا ما قاله لي أبي الذي كان يعمل مزارعاً. كانت أشجار الرمان والحامض والليمون تنعش أرضنا". تتابع: "حين خرجنا من فلسطين، كنت صغيرة ولا أقوى على الركض أو المشي. كانت وجهتنا جنوب لبنان. ولا أعرف لماذا اختار أهلي لبنان. وصلوا بداية إلى بلدة حولا الجنوبية، حيث عاشوا بعض الوقت قبل التوجه إلى مخيم عين الحلوة. سكنّا في الشوادر في كل لحظات حياتنا. كنت قد كبرت قليلاً، وصرت أدرك ما يدور حولي. أعطونا شادراً صغيراً لم يكن يتسع لنا جميعاً، ثم ما لبثوا أن قدّموا لنا شادراً أكبر كان يُسمى أبو جامبو. عرفنا القهر ونمنا على الوحل شتاءً، وعلى التراب صيفاً".
اقــرأ أيضاً
تضيف بدرية: "كنا نعيش حياة صعبة، وكانت الحمّامات مشتركة. وفي الليل، كان يصعب علينا الخروج من الخيمة إلى المرحاض، خصوصاً نحن النساء. وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أمّنت لنا الطعام والطحين وكل الحاجات الطبّية الأخرى، إضافة إلى التعليم. درستُ في مدارسها حتى الصف الرابع الابتدائي، ثم تركت التعليم. بعدها تزوجت وانتقلت مع زوجي إلى مخيم النبطية، ثم انتقلت إلى مخيم عين الحلوة. باشرنا ببناء البيوت التي كانت أسقفها من الزينكو في بداية الأمر. وما زلت أعيش فيه. في هذه البلاد التي ما زلنا نعيش فيها منذ 71 عاماً، أفنينا عمرنا وخسرنا مالنا وبيوتنا في فلسطين. في هذا المكان، خسرنا أولادنا الذين لاحقتهم نيران العدوّ. استشهد ابني بعد قصف الموقع الذي كان يعمل فيه، إذ إنه كان ينتمي إلى حركة فتح".
ليس لبدرية معيل اليوم. أولادها الذين يعيشون في المخيم لا يستطيعون الإنفاق عليها، بسبب الأوضاع المالية التي يعيشونها. لكنها ما زالت تتقاضى راتب ابنها الشهيد. انفرطت سبحة عائلتها بدءاً من الأشقّاء الذين سافر بعضهم إلى الخارج، والذين "أتعبهم اللجوء". صورة ابنها ما زالت معلقة على الحائط منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهي تتأمل في تلك الصورة كل يوم.
بدرية محمد فريجة فلسطينية تعيش اليوم في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في مدينة صيدا (جنوب لبنان). ولدت عام 1945، وتنحدر من بلدة الخالصة في فلسطين. تقول بدرية: "خلال فترة اللجوء، لم أكن أدرك ما يحصل حولي. لكنني عرفت الحرب والموت الذي كان وما زال يلاحقنا. وحين اعتدى الصهاينة على بلدنا، قرر أهلي الهرب خوفاً من بطشهم، وتركنا كل شيء خلفنا. هذا ما قاله لي أبي الذي كان يعمل مزارعاً. كانت أشجار الرمان والحامض والليمون تنعش أرضنا". تتابع: "حين خرجنا من فلسطين، كنت صغيرة ولا أقوى على الركض أو المشي. كانت وجهتنا جنوب لبنان. ولا أعرف لماذا اختار أهلي لبنان. وصلوا بداية إلى بلدة حولا الجنوبية، حيث عاشوا بعض الوقت قبل التوجه إلى مخيم عين الحلوة. سكنّا في الشوادر في كل لحظات حياتنا. كنت قد كبرت قليلاً، وصرت أدرك ما يدور حولي. أعطونا شادراً صغيراً لم يكن يتسع لنا جميعاً، ثم ما لبثوا أن قدّموا لنا شادراً أكبر كان يُسمى أبو جامبو. عرفنا القهر ونمنا على الوحل شتاءً، وعلى التراب صيفاً".
تضيف بدرية: "كنا نعيش حياة صعبة، وكانت الحمّامات مشتركة. وفي الليل، كان يصعب علينا الخروج من الخيمة إلى المرحاض، خصوصاً نحن النساء. وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أمّنت لنا الطعام والطحين وكل الحاجات الطبّية الأخرى، إضافة إلى التعليم. درستُ في مدارسها حتى الصف الرابع الابتدائي، ثم تركت التعليم. بعدها تزوجت وانتقلت مع زوجي إلى مخيم النبطية، ثم انتقلت إلى مخيم عين الحلوة. باشرنا ببناء البيوت التي كانت أسقفها من الزينكو في بداية الأمر. وما زلت أعيش فيه. في هذه البلاد التي ما زلنا نعيش فيها منذ 71 عاماً، أفنينا عمرنا وخسرنا مالنا وبيوتنا في فلسطين. في هذا المكان، خسرنا أولادنا الذين لاحقتهم نيران العدوّ. استشهد ابني بعد قصف الموقع الذي كان يعمل فيه، إذ إنه كان ينتمي إلى حركة فتح".
ليس لبدرية معيل اليوم. أولادها الذين يعيشون في المخيم لا يستطيعون الإنفاق عليها، بسبب الأوضاع المالية التي يعيشونها. لكنها ما زالت تتقاضى راتب ابنها الشهيد. انفرطت سبحة عائلتها بدءاً من الأشقّاء الذين سافر بعضهم إلى الخارج، والذين "أتعبهم اللجوء". صورة ابنها ما زالت معلقة على الحائط منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهي تتأمل في تلك الصورة كل يوم.