إفطار الأسرى الفلسطينيين في "عتصيون"... بقايا طعام جنود الاحتلال
رام الله
جهاد بركات
جهاد بركات
في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، لم يتمكن الأسرى الفلسطينيون المحتجزون في مركز توقيف "عتصيون" المقام على أراضي الفلسطينيين بين محافظتي بيت لحم والخليل جنوب الضفة الغربية، من تناول وجبة الإفطار إلا قبيل موعد السحور، ووصلهم الطعام عند الساعة الحادية عشرة ليلاً، ولم يكن يكفي حاجتهم وكان سيئ الجودة بالنسبة للصائم، بل كان من بقايا طعام جنود الاحتلال الإسرائيلي.
محامية هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية جاكلين فرارجة، التي زارت المعتقلين في "عتصيون" عدة مرات خلال شهر رمضان، نقلت لـ"العربي الجديد"، عن الأسير ماجد متعب الذي أفرج عنه بعد أيام من اعتقاله، أن إدارة مركز توقيف "عتصيون" لم تراعِ خصوصية رمضان بإحضار الطعام للأسرى على موعد الإفطار، ورغم أن طعام الإفطار أصبح لاحقا يصل على موعد أذان المغرب، لكنه عبارة عن وجبات سيئة مكونة من شرائح الخبز وعلبة من اللبنة.
هذه الأوضاع المأساوية للأسرى في "عتصيون" دفعتهم إلى الاحتجاج بإرجاع الطعام وعدم تناوله، في وقت طالبت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في بيان لها، المؤسسات الحقوقية الدولية بضرورة التدخل لوقف انتهاكات الاحتلال بحق الأسرى والموقوفين، والالتفات إلى خصوصية احتياجاتهم من الطعام الجيد والماء البارد لا سيما بظروف الطقس الحالية الحارة.
وخلال زيارة فرارجة للمعتقلين الفلسطينيين في "عتصيون"، كانت الشكوى من سوء الطعام المقدم وقت الإفطار، ما اضطرهم للصيام إلا عن الماء وبعض الخبز والدخان لأيام متتابعة، بسبب سوء الأطعمة المقدمة في وجبة الإفطار.
أوضاع مأساوية في "عتصيون"
وتصف فرارجة الوضع في "عتصيون" بأنه من سيئ إلى أسوأ منذ بداية رمضان وحتى آخر زيارة لها الأربعاء الماضي، إذ تؤكد أن الوضع هناك يعد الأسوأ منذ عام 2001، أي منذ أن بدأت بتنظيم زيارات دورية لمركز "عتصيون"، لافتة إلى أن الطعام يبدو كما لاحظت كأنه من بقايا طعام جنود الاحتلال الذين يبيتون في مسكن قريب من مركز التوقيف.
ونقلت فرارجة عن الأسرى إلقاء الطعام في القمامة لسوئه، فكما قالوا لها: "أحضر لهم الجنود نقانق مجمدة، عليها بقع تبدو كالعفن، لم يتناولوها خوفا من التسمم، أما المياه فهي ساخنة في ظل حر الصيف".
وبدا هذا العام أكثر تشديدا على الأسرى في "عتصيون"، إذ تشير فرارجة إلى أن إدارة المركز منعتها بشكل قاطع هذا العام من إدخال الحلوى أو الفاكهة كالبطيخ إلى الأسرى في شهر رمضان، كما اعتادت خلال الأعوام السابقة.
ومركز "عتصيون" عبارة عن غرف من حديد، تعرف بالـ"البركسات"، ثماني غرف في جزئه الأيمن ومثلها في الأيسر، وغرفة خلف السجن تستخدم للعزل بحسب المحامية فرارجة. يعتقل فيه على فترات أسرى من بيت لحم، والخليل، وأريحا، وأبو ديس والعيزرية شرق القدس، وأحيانا من مدن شمال الضفة، دون أي مقومات للعيش، ولا يسمح بإدخال المناشف أو مواد التنظيف أو الملابس الداخلية.
ومن التجارب الكثيرة التي عاشها الأسرى هناك، تجربة الناشط الحقوقي فريد الأطرش، الذي روى لـ"العربي الجديد" كيف عاش أسبوعا صعبا للغاية، في غرفة تحوي عشرة أسرّة، بدون مساحات للحركة إذ يضطر للمكوث على السرير طوال الوقت، ودرجة الحرارة عالية فالغرف من الحديد، والطعام سيئ لدرجة أنه يكون أحيانا مخلوطا مع بعضه بطريقة غير مناسبة، كوضع البيض على المعكرونة مثلا، وكأنه أشبه ببقايا طعام.
واحتج الأسرى أكثر من مرة على تلك الظروف، ومن تلك الاحتجاجات الإضراب عن الطعام عام 2015، لكنها جهود لم تستكمل بسبب مكوث الأسرى هناك فترات تقل عن 20 يوما في الغالب، ما يعني تداور الأسرى على المركز، في حين تؤكد المحامية فرارجة أنها تقدم دائما معلومات عن تلك الأوضاع للصليب الأحمر الدولي لكن دون نتيجة حتى اللحظة.
مراكز توقيف سيئة
يعد مركز توقيف "عتصيون" واحداً من ثلاثة مراكز توقيف إسرائيلية مقامة على أراضي الضفة الغربية، وبالإضافة إلى "عتصيون" يوجد مركز توقيف "حوارة" المقام جنوب نابلس شمال الضفة، ومركز توقيف "سالم" المقام غرب جنين شمال الضفة، وهي مراكز سيئة تفتقر لمقومات الحياة، ودفع ذلك لمطالبات عدة لمؤسسات حقوقية بضرورة العمل على إغلاقها لما تشكله من معاناة للأسرى الفلسطينيين.
مراكز التوقيف هذه لا تتبع لإدارة سجون الاحتلال، بل تتبع لجيش الاحتلال، وهي مراكز غير مهيأة، فضلا عن المعاملة السيئة بداخلها، وسوء النظافة والطعام. وتعد تلك المراكز محطة مؤقتة للعديد من الأسرى قد تصل إلى عشرة أيام أو أكثر.
ولا يلتزم الاحتلال فيها بضوابط ومعايير السجون، فمثلا يمكن أن يستقبل أسيرا مصابا برضوض أو كسور دون تحويله لمركز طبي، وقد يتعرض خلاله الأسرى أحيانا كثيرة لاعتداءات متكررة، وفق ما يوضحه رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس لـ"العربي الجديد".
ويرى فارس أن الفلسطينيين لم يبذلوا الجهود الكافية ضد تلك الظروف القاسية في مراكز التوقيف تلك، مشددا على ضرورة العمل على إغلاق مراكز التوقيف، بجهود قانونية وغير قانونية.
ويشير فارس إلى اقتراح قديم بتشكيل فريق محامين لتقديم اعتراضات أمام المؤسسات الإسرائيلية على اختلافها، وأن يكون المطلب فقط هو إغلاق مراكز التوقيف الثلاثة تلك التابعة لجيش الاحتلال، فالمعتقلات كلها تتبع لإدارة السجون، ومراكز التحقيق تتبع لجهاز المخابرات العامة الإسرائيلي "الشاباك".