يعيش سكان العاصمة الليبية طرابلس أزمة مياه وصلت إلى حدود العطش خلال أيام عيد الأضحى، مع توقف تدفقها من منابع النهر الصناعي جنوب البلاد للمرة الخامسة على التوالي، منذ هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على المدينة في الرابع من أبريل/نيسان الماضي.
لكن يبدو وقع انقطاع المياه هذه المرة أصعب، فالمواطن محمد رويسات القاطن بعمارات تاجوراء يعبر عن استيائه الشديد من غياب فرحة العيد بسبب الغياب الكلي للمياه قبل العيد بثلاثة أيام. ويوضح "حتى اليوم الثلاثاء لا يزال مصير المياه غامضاً، وسلطات البلاد لم تتحدث عن الأمر".
ويضيف رويسات أنه وأسرته اضطروا لذبح شاة العيد على شاطئ البحر. ويقول: "عشرات الأسر اضطرت أن تفعل مثلنا واصطحبت معها فقط غالونات للشرب بعد أن ملأتها من آبار المساجد، واستعضنا بمياه البحر للغسل"، متسائلاً "ما طعم العيد بهذا الوضع، لقد كنت أتكلف الفرحة والبسمة من أجل أطفالي وفي قلبي غصة".
أما محمد الجعفري فقد قرر السفر إلى تونس بشكل عاجل، ويقول: "عرفت أن أزمة المياه ستضاف لأزمات البلاد الأخرى منذ الإعلان عن وقف الصمامات يوم الأربعاء الماضي، فسافرت فورا لتونس". وبأسى يضيف: "لا كهرباء ولا وقود وحتى المياه انقطعت. من غير المنطقي أن يكون كل هذا صدفة، هناك من يحاصرنا"، مؤكدا أن حرب حفتر لم تتوقف عند الجبهات بل دخلت كل بيت في طرابلس. وتابع "البارحة عدت من تونس وصدمني خلو الحي من سكانه"، مشيرا إلى أن كثيرين من أصدقائه في حيّ كشلاف الذي يسكنه قرروا قضاء يوم العيد خارج طرابلس.
القطع المتعمد
يوم الأربعاء الماضي أقدمت مجموعة مسلحة على قفل صمامات تدفق مياه النهر الصناعي بمنطقة الشويرف، وسط الجنوب، احتجاجا على عدم مساواة شركة الكهرباء في طرحها لأحمال الشبكة، وعبر المحتجون المسلحون عن غضبهم من قطع الكهرباء لساعات طويلة على منطقتهم ومناطق الجنوب. وتتغذى كامل منطقة الساحل الشمالي، بما فيها طرابلس، من خطوط إمدادات مياه جوفية بالجنوب الليبي تمر عبر آلاف الكيلومترات عبر الصحراء، أبرزها آبار جبل الحساونة، أقصى الجنوب.
وناشدت وزارة الحكم المحلي بحكومة الوفاق، أمس الاثنين، أعيان وقبائل المنطقة الجنوبية، التدخل العاجل لفتح الصمامات، بعد انقطاع المياه عن طرابلس.
وقالت الوزارة، في بيان لها، إن فرق الشركة العامة للكهرباء، تعمل على إعادة التيار لجميع المناطق في ليبيا، وإنها لا تتبع سياسة التمييز بين مدينة وأخرى، في طرح الأحمال.
وفي جولة لـ"العربي الجديد" في أحياء الفرناج والسبعة وكشلاف وفشلوم وأبو سليم في العاصمة، تبيّن أن المحال التجارية أغلقت أبوابها لعدم توفر مياه للشرب. ويقول عبد اللطيف، صاحب أحد المحال التجارية بحي الكيزه: "الطلب على مياه الشرب ارتفع بشكل كبير منذ يوم الجمعة الماضي، وبسبب عطلة العيد وتوقف مصانع المياه اختفت مياه الشرب من المحال التجارية، ومن يتوفر مخزنه على كميات منها رفع أسعارها للضعف".
وقبالة عمارات حيّ أبو الخير يصطف عشرات الأهالي أمام أحد المساجد لتعبئة المياه في غالونات اصطحبوها معهم من بيوتهم.
أزمة المياه مسيّسة
وحذرت تقارير أممية أطراف الصراع في البلاد من خطورة تحول المياه إلى سلاح في الحرب، غير أن شبكة المياه انتقلت لدائرة الصراع فعليا، رغم الحجج التي يبديها مسلحون موالون لحفتر في كل مرة يقفلون فيها صمامات المياه.
ويعيش حوالي ثلثي سكان ليبيا والبالغ عدهم ستة ملايين نسمة على امتداد ساحل البلاد على البحر المتوسط أو بالقرب منه، ويعتمدون على المياه التي تضخ عبر الأنابيب من خزانات جوفية في جنوب البلاد. وتؤكد تقارير حكومية ليبية وأممية أن المياه الجوفية في المناطق الساحلية مالحة وملوثة بمياه الصرف الصحي، بالإضافة لكارثة خروج أكثر من 80 في المائة من محطات التحلية عن الخدمة بسبب تعطلها.
وفيما لم تعلن إدارة منظومة النهر الصناعي حتى الآن عن أي مستجدات بشأن أزمة المياه الحالية. يؤكد موسى عبد ربه، المسؤول بالهيئة العامة للموارد المائية التابعة لحكومة الوفاق، أن أزمة المياه "مفتعلة" وأن "لها علاقة بالحرب التي يخوضها حفتر على العاصمة". ويضيف أن "من يقف وراء قفل الصمامات يريد توصيل رسائل ضمنية تخير المواطن بين القبول بحفتر أو الموت عطشا"، لافتا إلى أن وزارات الحكومة وهيئة الموارد المائية لا تملك أي حل حاليا.
لكن رويسات يتهم مسؤولي الحكومة أيضا بالتورط في الأمر، متسائلا "أين الميزانيات التي تقدر بالمليارات والتي يمكن أن تشتري محطات توليد جديدة فضلا عن إصلاح الموجودة الآن". وتابع "سئمنا تسييس واستغلال حاجاتنا ومعيشتنا، وحتى العيد لم يتركوا له طعما".