مكافحة عادة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية مسيرة طويلة وشاقة في السودان، بدأت في أربعينيات القرن الماضي، لكنها لم تؤت ثمارها كون نسب ختان الإناث تصل اليوم إلى 80 في المائة في بعض الولايات السودانية.
وتظهر تلك العادة عبر إرث قديم عمره مئات السنين، يُسمى الختان الفرعوني، الذي يُعد بحسب المختصين، أسوأ أنواع ختان الإناث على الإطلاق، وتُزال من خلاله كل الأعضاء التناسلية الخارجية للطفلة.
في سنوات الاستعمار البريطاني (1898-1956) كان الموضوع محل جدل، وسن الاستعمار في عام 1946 أول قانون يُجرم ختام الإناث. في المقابل لم تبد الحكومات الوطنية المتعاقبة على حكم البلاد، اهتماماً كبيراً بقضية تحمل عنوان الدم والدموع، وتسببت بوفاة الفتيات الصغيرات واليافعات في كثير من المرات. فعملية الختان تجري على الأغلب بطُرق تقليدية، تفتقر لأبسط المعدات الطبية اللازمة، وتجريها نساء غير متخصصات.
وفي عام 1973 سُنت مادة في القانون الجنائي تمنع تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى. ولم تُجد نفعاً وتطبيقاً على أرض الواقع، في ظل إصرار المجتمع على التمسك بالعادة التي يرى فيها حماية للفتاة من العار، وينظر نظرة احتقار لغير المختونات.
في الوقت نفسه، تجد الممارسة الاجتماعية تلك، تشجيعاً من بعض رجال الدين الذين يطلقون الفتاوى التي تعتبر الأمر جزءاً من الدين، حتى وإن اختلفت مضامينها حول طريقة الختان.
وسط هذا المُناخ، وجد المُشرع السوداني فرصة للعودة عن تجريم الختان، وإلغاء المادة التي تحرمه وفق القانون الجنائي عام 1991، ليصبح الأمر مباحاً قانونا وعُرفا، وبذلك ارتفعت نسبة ختان الفتيات إلى نحو 90 في المائة في السودان.
ولم يمنع تعديل القانون 4 ولايات سودانية ومنها جنوب كردفان والقضارف، من المبادرة لإصدار قوانين محلية تمنع ختان الإناث وتُعرض أسرة الطفلة، أو أي شخص يشارك في ختان طفلة، لعقوبتي السجن والغرامة.
وبحسب مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل بوزارة الضمان الاجتماعي، عطيات مصطفى، فإن مجلس الوزراء القومي مرّر خلال الفترة الماضية مادة جديدة، تضاف لقانون حماية الطفولة، تمنع ختان الإناث.
وأشارت لـ(العربي الجديد) إلى أن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل والمجتمع المدني وفئات أخرى كثيرة، كانت لديهم الرغبة في سن قانون منفصل للحد من هذه الظاهرة، التي تترك آثاراً نفسية وصحية واجتماعية سيئة على النساء.
وأضافت مصطفى أن المنع القانوني مهم جداً، لكنه لا يكفي للحد وحده للقضاء على الظاهرة، "لأن المطلوب توعية مجتمعية واسعة يشارك فيها رجال الدين والزعامات القبلية ووسائل الإعلام المختلفة والجمعيات النسوية".
وأوضحت أن أسراً سودانية كثيرة قررت في السنوات الأخيرة التخلي عن عادة الختان، وباتت البنت المختونة فيها هي الأكثر حرجاً، على عكس ما كان يحدث في الماضي، مؤكدة أن الطريق ما زال طويلا لتغيير المفاهيم المجتمعية، والتقليل بالتالي من نسب الختان.
وعن تأثير فتاوى بعض رجال الدين على انتشار العادة، أوضحت عطيات مصطفى، أن "الكثير منهم أصبحوا الآن من المناصرين للحملات ضد ختان الإناث"، مشيرة إلى أن "الذين يبيحون الختان الفرعوني من منطلق ديني فاتهم أن ذلك الختان منتشر في مجتمعات أفريقية غير مسلمة، ما يدل على عدم ارتباطه بالدين الإسلامي".
ورغم استمرار الحملات ضد ختان الإناث حتى اليوم، سواء على المستوى الرسمي أو المجتمعي، فلا تزال النتائج والأرقام مخيبة لآمال الناشطين في هذا المجال، إذ بيّن الجهاز المركزي للإحصاء عام 2016، أن نسبة الانخفاض في ختان الفتيات أقل من 14 عاما، وصلت إلى 31.5 في المائة بعدما كانت النسبة 37 في المائة للفئة العمرية ذاتها.
لكن عطيات مصطفى قالت إن "نسبة ختان الإناث قد تصل إلى نحو 63 في المائة بولاية الخرطوم، وهي الولاية الأكثر حضرية، في حين تصل في ولايات أخرى إلى أكثر من 80 في المائة".
ولا ينتشر الختان الفرعوني في السودان وحدها، فهناك نحو أكثر من 28 دولة أفريقية تُمارس تلك العادة. ويُقدر عدد الأفريقيات المختونات بنحو ثمانية ملايين امرأة.