اختلفت استعدادات اليمنيين لاستقبال شهر رمضان من منطقة لأخرى، بحسب تأثرها بالأوضاع السياسية والاقتصادية والحربية إلى جانب الاختلافات في العادات والتقاليد في أنحاء البلاد. تبدو المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، في الجنوب، أفضل حالاً من تلك التي تسيطر عليها الحكومة المدعومة من الحوثيين، في الشمال.
يقول الناشط الاجتماعي، هارون علي، وهو من سكان عدن، التي اعتمدتها حكومة هادي عاصمة مؤقتة، إنّ مدينته تهيأت لاستقبال شهر رمضان من خلال بعض المظاهر والأنشطة، وهو ما لم يحصل فيها بمثل هذه الحماسة الكبيرة منذ فترة طويلة. يشير إلى أن الناس بدأوا بالشعور بالاطمئنان لتحسن كثير من الأوضاع. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّه أنشأ بالاشتراك مع بعض الشباب المتطوعين، مبادرة "طفرة عدنية"، مطلع شهر شعبان: "عملت المبادرة على تركيب الزينة وإنارتها، وتنظيف وطلاء جميع شوارع المدينة، بالإضافة إلى أعمال خيرية كثيرة أخرى استقبالاً لشهر رمضان". يلفت إلى أنّ المبادرة انتهت من العمل في مديريات كريتر، خور مكسر، المعلا، وهي مستمرة إلى حين الانتهاء من بقية المديريات. يواصل علي: "نعمل على إدخال البهجة إلى قلوب الأهالي، بحسب الإمكانات المتاحة. فالأوضاع في عدن تتحسن من سنة إلى أخرى، إذ إنّ الخدمات الأساسية متوفرة". يلفت إلى أنّ أهالي عدن كان لهم الدور الأبرز في نجاح المبادرة وتنظيف المدينة.
لا يختلف الوضع في محافظة حضرموت كبرى محافظات اليمن (شرق) عنه في عدن، فالأسواق تشهد ازدحاماً كبيراً بالمواطنين، بغية شراء مستلزمات شهر رمضان، على الرغم من تراجع الوضع المعيشي لأغلب السكان جراء تداعيات الحرب بحسب الإعلامي أصيل النهدي. ويقول: "مظاهر وأجواء رمضان الروحانية بدأت في المحافظة منذ أواخر شهر شعبان، لكنّ البعض يحاول إفساد تلك الأجواء من خلال الاهتمام الزائد بالمأكولات والمشروبات، بالإضافة إلى تنظيم الألعاب المختلفة خلال الشهر، مُتناسين أنّ شهر رمضان هو للعبادة بالدرجة الأولى". وبالرغم من احتفاء سكان حضرموت بالأجواء الرمضانية، فإنّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية يبقى عائقاً أمام كثير من الأسر التي تعجز عن توفير كلّ احتياجاتها. النهدي يؤكد لـ"العربي الجديد" عدم توفير كثير من الخدمات الأساسية في المحافظة: "طوابير طويلة تقف أمام محطات الوقود، بالإضافة إلى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي. وبالرغم من كلّ ذلك، تبقى حضرموت أفضل حالاً من المحافظات الأخرى، خصوصاً من الناحية الأمنية".
وفي الشمال الخاضع بمعظمه لسيطرة الحكومة المدعومة من الحوثيين، يستقبل كثير من السكان شهر رمضان في ظلّ ظروف معيشية قاسية، لكنّ ذلك لم يمنعهم من التهيئة للزائر السنوي. وفي السياق، تقول أم أحمد، وهي من سكان العاصمة اليمنية صنعاء، إنّها بدأت منذ منتصف شعبان، الاستعداد لشهر رمضان، من خلال تنظيف المنزل وتعديل بعض الأشياء فيه. تضيف لـ"العربي الجديد": "اشتريت متطلبات شهر رمضان الأساسية، بعدما اقترض زوجي مبلغاً من أحد أصدقائه التجار. نحن بلا راتب حكومي منذ نحو عامين ونصف العام، لكن لا يمكن أن نتعامل مع شهر رمضان كأيّ شهر عادي، بل يجب الاستعداد له". تؤكد أنّ عائلتها لم تحصل على أيّ مساعدات مالية أو عينية من أي جهة، بما فيها المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني، منذ بدء الحرب: "بعض المنظمات تزورنا وتلتقط صور بطاقاتنا الشخصية، بغرض تسجيل أسمائنا في كشوف المساعدات، لكنّها لا تعود مرة أخرى. هناك من وعدنا بتقديم سلال غذائية في رمضان ولا ندري هل يفعل ذلك أم لا".
من جهته، يقول المواطن صالح خالد، هو نازح من محافظة الحديدة (غرب) إلى منطقة سعوان بصنعاء، منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لـ"العربي الجديد"، إنّ شهر رمضان هذا العام مثله مثل بقية الشهور: "لا شيء يتغير، فمائدتنا نفسها؛ أرزّ وخبز ولبن أو خبز وشاي. لا نملك المال الذي يوفر لنا مواد غذائية إضافية". يشير إلى أنّ فاعل خير وعده بتوفير التمر له طوال شهر رمضان. يضيف خالد أنّه والكثير من النازحين منذ فترة طويلة يأكلون وجبة واحدة في اليوم، ولهذا فصيام رمضان لن يشكل فارقاً كبيراً.
الوضع المعيشي الصعب لأغلب سكان صنعاء، انعكس على أصحاب المحال التجارية، فعدد الزبائن تراجع بشكل مخيف بحسب وصف تاجر الجملة عبد القادر الخولاني. يقول لـ"العربي الجديد": "في مثل هذه الأيام، كنت أستعين بثلاثة عمال إضافيين ليقفوا معي في المحل ويساعدوني في تلبية طلبات الزبائن الذين تزداد أعدادهم بعد منتصف شهر شعبان، لكنّ هذا الأمر انتهى منذ بداية الحرب". يشير إلى أنّ الزبائن بالكاد يشترون الاحتياجات الضرورية. يوضح الخولاني أنّ أكثر زبائنه يشترون، هذه الأيام، الأرز والسكر والقمح والزيت. ويلفت إلى أنّ المواد الغذائية التي اعتاد اليمنيون على توفيرها في رمضان مثل المهلبية والعسل والكريمة والعصائر بمختلف أنواعها باتت أقل طلباً عما كانت عليه: "العام الماضي اشتريت هذه الأصناف بكميات كبيرة، لكنّي فشلت في بيعها كلها، وكثير منها انتهت صلاحيته".
ولا يتقاضى أكثر من مليون موظف حكومي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المدعومة من الحوثيين، رواتبهم منذ توقفها في سبتمبر/ أيلول عام 2016. ويعتمد كثير من اليمنيين على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني منذ بدء الحرب في مارس/ آذار عام 2015، بحسب الأمم المتحدة، التي أكدت أنّ اليمن يمرّ بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويحتاج 80 في المائة من سكانه (24 مليون شخص) إلى المساعدات الإغاثية العاجلة.