قوانين اللعب
كان هناك عمود إنارة
كنتُ أعدّ حتّى الثلاثين
الجميع يختبئون
كنت أعثر على البطيئين والصغار
بعضهم كان يهرب، يسبقونني ويلمسون العمود
صائحين: حرَّرنا أصدقاءنا
كنت أرجع للبداية
ويبدأ العدّ من جديد.
بعد خمس وعشرين سنة أمرّ بهذه الشوارع
أصدقائي يتابعون الاختباء.
■ ■ ■
دراسات اجتماعية
في الصف الثالث
علَّمونا أن هندوراس تخلو من البراكين.
لمواساتنا كانوا يقولون لنا: لكننا البلد الأكثر جبالاً في أميركا الوسطى.
خصوبة تربتها تأتي من مكان آخر،
وليس من تدفُّق الحمم البركانية التي تحصد الطبيعة في طريقها.
في النهاية ليس مهمّاً أن جبالنا وُلدَت عمياء.
هذا الجزء من العالم تعلَّمَ أن يتقيّأ إلى الداخل.
■ ■ ■
جولة في مدينة مدمّرة
أتجوّل في شرايين تيغوسيغالبا كما لو كنتُ محلول غلوكوز
لا شيء يساعدني على فهم النهر الذي يحتضر بين جسورها.
أعبر السوق
الجزّارون يظهرون مللهم:
في حياة أُخرى سيتابعون تنظيف الدم.
أطفال الشوارع يُلطّخون زجاج المحلّات بأيديهم القذرة
تطاردهم الشرطة، لكنهم يهربون مثل الأسماك.
من واجهة عرضِه
الدجاج المشوي مقطوع الرأس يسخر منا.
مركز المدينة التاريخي قبوٌ كبير للرعب.
نتظاهر بأننا سعداء
لكنّ الخراب يتنفس بيننا.
■ ■ ■
AMERICAN DREAM
في الإجازات كان يَطلب منّا أن نتعلّم الإنكليزية
دفعَ رسوم دورة،
اشترى لنا كتباً وأشرطة تعلُّم قواعد النطق
وقاموساً يعرف كل شيء.
أنا لم أتجاوز الصفحة الأولى من الدرس الأول
أخي كان مثابراً، أحرزَ تقدماً، في وقت قليل وصل إلى الفعل To be،
عندما نذهب في نزهة كان يسمّي كل شيء نمرُّ به بلفظهِ الإنكليزي.
كان يقول بأن الرياضيات والإنكليزية لغة المستقبل.
دورة اللغة الإنكليزية لا تزال موجودة حتى الآن
وحلمُ أبي أيضاً.
■ ■ ■
بطولات الدوري الكبرى
كنّا نلعب البيسبول في حقل صغير بكرة تنس،عندما كانت لا تزال ثمة مساحات خضراء.
أحببنا:
المساءات غير الممطرة
الواجبات المدرسية المعمول نصفها
مضارب الألمنيوم لأنها أثقل من الخشب.
كنّا ننظّم المباريات - بكرات بيسبول حقيقية - التي كان يوقفها المطر أو المضاربات بيننا أو النوافذ المكسّرة.
حتّى جاء يوم سرقوا فيه الحقل لبناء المزيد من البيوت.
في صالوننا الخاص بالمشاهير هناك مكان لذلك الحقل المشاع.
■ ■ ■
صدمة الأيام
في الأربعين ثانية التي نقود فيها السيارات
صدّقنا بأننا ربابنة سفن فضائية تتفادى النيازك وقوى الشر الأخرى.
كانت السعادة تغمر أهالينا
يُشجّعوننا بالأبواق ونحن نركض مثل "بنانير" ملوّنة انفرط كيسها.
كبرنا في بيوتنا وفي الوظائف وفي طوابير الخوف التي لا نهاية لها
نحن الآن سيارات الملاهي، نتحرّك في كل الاتجاهات
دون أن نفهم الطفل الذي في داخلنا، في المرّات القليلة التي نعود فيها إلى السعادة.
■ ■ ■
مذاقات فاسدة
لم يعُد هناك مخبز في هذه الزاوية
المحلُّ فارغٌ من السيّد لويس
تاجر مقتول؛ لأنه لم يدفع الإتاوة.
■ ■ ■
تفكيك الخوف
الجيران الذين تعلّموا أن يديروا الخَدّ الآخر
أعطونا مساحة لإقامة جبال الصمت.
سيرتهم الذاتية تُغلق أعينها
وترمي بتفاهة الحجارة التي تمحو براءتهم.
يدفنون أمواتهم في حديقة الرماد
السلام لم يجد مداره حول كراسيهم الهزّازة.
مع أننا ذهبنا للسكن بعيداً
لكننا لا نزال نسكن نفس الهواء بين الأشياء.
■ ■ ■
أرقام خاطئة
أتّصلُ بأصدقائي
كثيرٌ منهم منشغلون بأعمالهم وعائلاتهم.
آخرون يتابعون ضرب كراتهم لتلطيخ جدران ضجرهم.
نهرٌ شقّ طريقه بيننا.
الذين استطاعوا الردَّ ينحنون فوق هواتفهم
كلماتهم خافتة
لا يريدون أن أرى أبعد من تلفوناتهم.
■ ■ ■
الضمان الاجتماعي
طابورٌ بطيء من التوابيت
يُرى في أعين مرضانا وكهولنا
بصمتٍ يعاتبون الموت
لأنه تأخّر كثيراً.
■ ■ ■
أقاربي القتلى
صدري ليلةٌ لا نهاية لها
مثل برد الفجر في آخر ليلةٍ للمحكومين بالإعدام.
أتحقّق من أنه لا أحد يلاحظ قوس قزح الرمادي
الذي أتركه عندما أُنظّف زجاجاً.
فقط أبحث عن وجوههم
في هذا الزجاج الضبابي.
■ ■ ■
كلمات أخيرة
أُقسم
سأرحل عن بلدي كلّما كان ذلك ضرورياً
جسدي جوازُ سفرٍ
والندوب هي الأختام على صفحاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهادة في الهجرات الحزينة
Dennis Ávila شاعر هندوراسي من مواليد تيغوسيغالبا عام 1981، ويقيم منذ 2007 في كوستاريكا. تبحث مجموعته الشعرية "ملابس أميركية" (2017/ الصورة) - التي تصدر ترجمتها العربية قريباً عن دار "الآن ناشرون وموزعون" بتوقيع الشاعر فخري رطروط - في موضوع الهجرة في عصرنا، بأشكالها الحزينة واللاإنسانية خلف الحلم الأميركي بما خلفته من مآس وندوب في ذاكرة رجال ونساء القارة اللاتينية.
يمثل هذا العمل الشعري شهادة شخصية وجمعية على عصر يرفض الاختفاء ويتجدّد كل يوم، في هذه الصفحات نسمع صوت جماعات داخل صوت الشاعر الشخصي وهو يحكي حكايته.
إلى جانب "ملابس أميركية" صدرت لـ دينس أبيلا عدة مجموعات شعرية؛ هي: "المتسرّبة" (2000)، و"مفاهيم للحب" (2005)، و"ربما أكثر من أي وقت مضى" (2008)، و"هندسة ابتدائية" (2014)، و"الطفولة شريط من الطقوس" (2016)، إضافة إلى روايته "انقلاب السقّالة". تُرجمت قصائده إلى عدّة لغات من بينها الإيطالية والعربية والإنكليزية.
* ترجمة عن الإسبانية فخري رطروط