موج ليليّ كأنه تهويدة. فتيات يسبحن عاريات وغامضات. علب بيرة فارغة. نوارس تحلّق بصوتها البعيد كتلويحة وداع. أغفو. أستيقظ. تنأى برشلونة وتنأى. ما بين الغفو واليقظة، يسحرني أن أبقى في سديم البرزخ.
البرزخ أبديتي، إن كان ثمة أبدية في مدينة محصورة ما بين كولسيرولا والبحر.
البرزخ جلاب المنسيّات، وإن كنتَ هنا، أبداً، لم تشعر يوماً بعبء الذاكرة أو قسْرها، مع ذلك أمثالك لا أبدية لهم، إلا ما يُعطَونه في البرزخ.
ساعات، وأنهض. أنفض الرمل البنّي عن رأسي، وأتذكّر ذاك الأبيض النظيف، على الضفة الأخرى.
أنفض بعض الندى أيضاً.
إنه الفجر، وقد انبلج. المدينة تبدو مهجورة ومُتخلّى عنها في هذا الوقت.
أغذّ الخطى، وتراودني لغير سببٍ الشفقة.
الشفقة على كل ما أعبر، من شجر وحجر وبشر قليلين، بعضهم سكران يتطوّح، تحت الإضاءة الواهنة، في زقاق من الغوتيكو.
أمامي ساعة ونصف كي أصل. لا مترو الآن في ساحة كتالونيا ولا باص. هو حسب تاكسي الأجرة غالي الثمن.
الحمد لله أن للمرء قدميَن ما زالتا قادرتين على الصعود، رغم المارتيني.
المارتيني وقد اشتريته من بسطة مغربي في ساحة رويال صباح الأحد.
زجاجة، على الأغلب وجدها الكهل في حاوية، فباعك إياها بيورو واحد.
ولأنها معتقة، لا يزال قليلُها فاعلاً بعد انقضاء ساعات.
تصل، وتعدّ قهوتك.
لليالي أن تقبر الليالي، كما قال أحدهم.
ولك الآن أن تشرب وتدخّن حتى مطلع الظهيرة، أو نزول الغسَق.
لا يهم، ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة.
ففي مثل هذا العمر وهذا المكان، حافل سِجلّك بالليالي البيضاء.