في انتظار الموعد الجديد لفعالية أفسدها سوء التنظيم؛ نجلس، الشاعر محمد نجيب وأنا، في مقهى يطل على صالة العرض الثانية في "معرض الخرطوم الدولي للكتاب". نحاول وضع دورة المعرض هذه في مكانها المناسب على مقياس النجاح أو الفشل، مقارنةً بتسع دورات سبقتها، مستعينين بالحدس وفراسة القارئ ربما، إذ هو اليوم الثاني فقط في روزنامة الحدث التي تنتهي عند الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري.
"أكثر الخارجين من القاعة لا يحملون كتباً" يقول نجيب، مستنتجاً أن ارتفاع الأسعار حرمهم ـ مثلما هي حاله ـ من الشراء، مذكّراً إيّاي بشكوى القاص ياسر فائز، قبل قليل، من أنه بحاجة إلى ما يفوق 500 جنيه لشراء كتابين فقط، وفقاً للائحة الأسعار التي أوضحت له أن ثمن كلّ واحد منهما 25 دولاراً!
دورة "معرض الخرطوم الدولي للكتاب" هذا العام حفلت منذ بدايتها بالمفارقات. إذ تزامن انطلاق برنامج الافتتاح في مساء الأول من أيلول/ سبتمبر، مع قرار السلطات إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية وطرد موظفيها، في خطوة دوافعها سياسية تخصّ علاقات السودان بدول الخليج، لكنها تذكّر أيضاً باستمرار إغلاق المراكز الثقافية منذ أواخر عام 2012.
مفارقة أخرى يمكن قراءتها من مغادرة الكثيرين أرض المعرض بأيدٍ خاوية، سواء بسبب ارتفاع الأسعار أو لغياب الكثير من دور النشر التي تحظى مطبوعاتها بشعبية لدى السودانيين، في الوقت الذي يفشل فيه تنظيم ندوة عن مشاكل النشر في البلاد العربية، كان مقرراً أن يتحدث فيها رئيس "اتحاد الناشرين العرب"، عصام شلبي، وهي المشاكل التي يأتي على رأسها ـ بالنسبة للقارئ على الأقل ـ ارتفاع سعر الكتاب.
ثمة مفارقة أخرى أيضاً تجلّت في نشاط حركة البيع وزحام الحضور في معرض "مفروش" الشهري، وهي فعالية شعبية لبيع وتبادل الكتاب المستعمل درجت على إقامتها جماعة "عمل" الثقافية في الثلاثاء الأول من كل شهر، وسط الخرطوم. بل إن بعض العارضين السودانيين حرصوا على احتلال أماكنهم في "مفروش" رغم أنهم من المشاركين في "معرض الخرطوم الدولي"، وهو ما فسّره لي أحدهم بأن "مفروش" "مضمون الريع" بالنسبة له.