تمثّل القصور الأموية التي توزّعت في مناطق مختلفة من الشام وباديتها النموذج الأوّل للفنون الذي تمّ تقديمه بعد الإسلام، وفيه يمكن ملاحظة كيفية تطوير التراث البيزنطي بشكل أساسي وانعكاس المعتقدات الدينية الجديدة على بناء هذه المعالم وزخرفتها.
"فسيفساء قصر هشام في خربة المفجر في أريحا ضمن سياقها التاريخي" عنوان المحاضرة التي يلقيها أستاذ تاريخ الفن في "جامعة بولينغ غرين ستيت" البريطانية شين ليثبيري عند السادسة من مساء الإثنين المقبل، الحادي عشر من الشهر الجاري، في "المعهد البريطاني" بعمّان.
يركّز المحاضر على فيسفساء القصر باعتبارها امتداداً لزخارف أرضيات الكنائس والأديرة في سورية في القرن الرابع الميلادي، حيث جرت المحافظة على الأشكال الهندسية المعقّدة على الجداريات مع ذهابها نحو مساحة جديدة من التجريد لم تعهدها المنطقة من قبل، وهي ذاتها التي تم استخدامها أيضاً عند بناء قبة الصخرة في الفترة ذاتها.
يعود ليثيبري إلى الاكتشافات الأركيولوجية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي في الموقع الأثري الذي يبعد عن مركز مدينة أريحا حوالي ثلاثة كيلومترات وهو يقع في مكان يسمى خربة المفجر، وقد بناه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك الذي حكم في الفترة ما بين 724 و743 ميلادي.
ويتناول الباحث تكوين أرضية الفسيفساء الذي يُبرز في داخله تشكيلات مربعة ومستطيلة ودائرية ونصف دائرية، وكلّ تكوين من التكوينات الثنانية والثلاثين يتميّز بتشكيل زخرفي خاص، ما يشير إلى تصميمه وفق أسس هندسية تنظر إلى العلاقة مع الأجزاء المختلفة ضمن كلّ واحد، وهي الفلسفة التي كانت حاضرة في توليد الفنون والعمارة عند المسلمين الأوائل.
كما يشير إلى عناصر بناء كل لوحة من لوحات أرضية الفسيفساء التي تتبنى تكراراً وتداخلاً ضمن متتالية متجانسة زخرفياً، حيث يتشكّل مركز الأرضية دائرياً فوق مثلث ينقسم إلى مثلثات صغيرة ملونة بالأبيض والأسود والأحمر وألوان أخرى بدرجات ترابية ورملية، تتداخل لتشكل مثلثات كبيرة.
تحضر هذه الوحدات ضمن تمثلات بصرية لا متناهية تشبة وردة متعددة الطبقات تفيض ألوانها بشكل انسيابي من المركز إلى الأطراف أو بالعكس.