هناك مثقفو الأنظمة ومثقفو القوى السلطوية المختلفة وهناك مثقفون للسفسطة، وكلّ هؤلاء يمارسون دورهم بجدّ في تضليل الناس وحرف أنظارهم عن الأسباب الحقيقية لبؤسهم وعن طبيعة أعدائهم الحقيقيين، وهؤلاء مفتوحة لهم كل الأبواق الإعلامية والفضائيات ووسائل الاتصال بالناس ليتمكنوا من أداء دورهم على أكمل وجه.
قديماً قال لينين: "لقد كان الناس وسيظلون أبداً، في حقل السياسة، أناساً سذجاً يخدعهم الآخرون ويخدعون أنفسهم، ما لم يتعلّموا استشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير والبيانات والوعود الأخلاقية والدينية والسياسية والاجتماعية"، ما يعني أن دور هؤلاء المثقفين ثمين جداً بمقاييس النظامين العالمي والإقليمي. أما تعليم الناس ماهية وأهمية المصالح الكامنة وراء كل خطاب فهي بالتحديد مهمة المثقف المشتبك، العضوي، الذي تتعقّد مهمته كلما ازداد النظام الرأسمالي العالمي توحشاً وتعفناً. وهذا ينطبق على زوبعة "صفقة القرن" وعلى التوتر اليوم في الخليج وعلى كل تأزيم طائفي أو عنصري تتواتر الأحاديث عن تفاقمه هنا وهناك.
وحيث إن الرهان كل الرهان على الشعوب التي تطحنها أزمة النظام العالمي وتعقيداتها، والتي ثارت من أجل الحرية والتغيير، إلا أن مقولة لينين تصبح أكثر إلحاحاً اليوم في ظلّ أدوات التعمية التي يمتلكها أساطين هذا النظام. وهنا يصبح دور المثقف العضوي خطيراً ومسؤولياته تاريخية. وضرورة توحيد جهود أمثاله وتنظيمها للانخراط أكثر بين الناس المسحوقين تصبح راهنة.
"صفقة القرن" وسواها ليست أكثر من زوبعة تخفي ما تخفي من تسويات خفية بين الإمبرياليات العالمية، ليس على حساب فلسطين وشعبها فحسب، بل على حساب الوطن العربي كله.
ظنت الشعوب أنها في انتفاضاتها تواجه عصابات مسيطرة محلياً فحسب، فوجدت في وجهها كل حكام العالم وما يمتلكون من مقدرات وأيديولوجيات وبروباغندا، إضافة إلى الدموية المفرطة والمقدرة على تجنيد الرعاع.
أنا لا أثق بالمثقفين عموماً، بل بالمثقف المشتبك الذي يعاني ويصيبه ما يصيب الشعوب من جور وبالتالي فإن مصلحته هناك.
فلسطين لن تكون إلا وطناً للمواطنية القائمة على حكم القانون والمؤسسات التي يتساوى أمامها كلّ المواطنين. فلسطين لن تكون سوى جزء من البلاد العربية وباكورة تحررها، وهذا مسؤولية كل أحرار العالم.
* باحث وناشط لبناني