"الحلم الأميركي"، عبارة تردّدت كثيراً في الأدب والسينما مشيرة إلى حلم الهجرة الذي يقود كثيرين من جنوب القارة الأميركية أو شرق آسيا، وحتى من أوروبا، إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث يعتقد هؤلاء المهاجرون أن فرص النجاح والثروة متاحة هناك أكثر من أي مكان آخر في العالم.
كثيرة هي الدراسات السوسيولوجية التي تناولت "الحلم الأميركي"، وقد ركّزت أساساً على أهم الشعوب التي خاضت هذه المغامرة مثل الإيطاليين والإيرلنديين والصينيين. لكن من بين عناصر هذا الطيف نجد مهاجرين من بلدان شمال أفريقيا قلما تناولتهم السوسيولوجيا الأميركية بالدرس، وهي العينة التي اختارتها الباحثة الفرنسية، وأستاذة العلوم الاجتماعية في "جامعة ستانفورد" الأميركية، ماري بيير أولوا، في كتابها الصادر مؤخراً "الحلم الأميركي الجديد: من المغرب الكبير إلى كالفورنيا" (منشروات CNRS، باريس) وكأنها تكمل مربّعاً ناقصاً في مشهد دراسات الهجرة إلى الولايات المتحدة.
وفي الحقيقة، يبدو أن أولوا قد بنت بحثها استناداً إلى منطلقات فرنسية وليست أميركية، فالمغاربة ارتبطوا تاريخياً بالهجرة نحو فرنسا، ولم تمثّل أميركا وجهة أساسية لاعتبارات تتعلّق بالخيارات اللغوية قبل أي عامل آخر. وهذه النقطة تمثّل أحد منطلقات العمل حيث تقارن المؤلفة من البداية بين نوعين من الهجرة: تتجه الأولى إلى المستعمر السابق وتجد قبلها مجتمعاً مهاجراً من نفس البيئة الأصلية، أما الثانية فهي تتجه إلى بلد ذي ثقافة مغايرة تماماً ويجد المهاجرون فيه أنفسهم أقلية داخل الأقلية.
على المستوى الميداني، استندت أولوا في بحثها على عدد كبير من الحوارات مع أفرادٍ من ذوي الجذور المغاربية يقيمون اليوم في ولاية كاليفورنا الأميركية، معتمدة على تنويع الأجيال والبلد الأصلي ونقطة الوصول الأولى إلى أميركا، إضافة إلى تعدّد الانتماءات المهنية وبالتالي الطبقية.
من النتائج التي تصل إليها أولوا أن المغاربة يجدون في الأشهر الأولى من وصولهم إلى أميركا صعوبات جمة في الاندماج، ما يجبر كثيرين على المغادرة. أما من يبقى منهم فهي تلاحظ أنهم سرعان ما يحاولون إنشاء "مجتمعات مغاربية مصغّرة"، وهي تستند هنا إلى مَيل الأسر ذات الأصول المغاربية في ترسيم أبنائها في مدارس خاصة كثيراً ما يكون قد أنشأها مهاجرون عرب سابقون.
تدرس الباحثة أيضاً الخيارات على مستوى الطعام، وتستنتج بأن المغاربة يحافظون بشكل كبير على عاداتهم الغذائية على عكس فئات أخرى من المهاجرين. كما تخصّص أحد فصول عملها لدراسة واقع "غير الناجحين في الحلم الأميركي".