هي أشياءُ لم أخبرك بها من قبل: لقد تبهدلَ طويلاً، وكان ينتابه هياجُ عدم الرضا عن تدابير الحكومة وإذعان الناس ـ خاصة في العشايا. وعلى الرغم من أنه يعود إلى خطابه البطيء لحظتئذ، إلا أن مشيه نحو البيت سريعٌ جداً وعصبيّ.
في منتصف الطريق، وهو واقف في المترو، بين المرأة اليسرى الجالسة والرسالة القصيرة على جوالها، كان من الممكن أن يحنّ إلى عطور الأرض، تأتيه من زمن بعيد في بلاده.
كان يروق له أن يقود مبدأ أرخميدس في شارع مريم. يُؤوّل صدى الروائح، مبتعداً عن الشرح والتفسير، مع سطوع متنام للألم، كلما أوغل.
شخصيات أخرى، ممن عرفتهم، لم تكن لتقترب من هذا. الناس الذين تصادفهم هنا على الطريق، ثمة في السفر، إنريكي وكارمن، سوسانا وميغيل، وأضرابهم من الطيبين ـ أولئك الذين يظهرون ببطء أو دفعة واحدة، العاجزون عن محاورة مشهدٍ، وليس لديهم سبب واحد للتحليق.
طبعاً كل شخص لديه الحياة والرأس والروح. وهو يعرف كيفية أو جزء من عملية التأويل لما يحيا.
هذه فطرة خام مُعطاة لجميع الخلق بالتساوي. ولكنه وحده ممن عاشرت، من يضع بعض الجمل الخاصة به، حيث ينعدمُ التوقّعُ.
كأن يقول مثلاً، لا يليق بالمتشرّد أن يعيش على المُسلّمات الرسمية، كالدليل السياحي.
فالمتشرد والشاعر ـ يُضيف ـ متطابقِا المزاج هنا، بل هُما صنوان كونهما كائنين ضد الامتلاك والاستهلاك: "دين البشرية الجديد".
عليك أن تفهم الحادث: المرء يتغيّر ـ يا عزيزي ـ دون أن يضطر لتغيير اسمه. إنه جزء من ملحمة العشواء والزوايا المحجوبة في مدينة متوسطية تجيد فن السياحة.
هذا هو جوردي، وهي ذي برشلونة!