في رواية سليمان فياض القصيرة "أصوات" تَختِنُ النساءُ في قرية الدراويش "سيمون" الفرنسية زوجة حامد ابنهم. حيث يفضي ذلك الختان البدائي، إلى موت المرأة. فيعلّق المأمور المحقق: "كيف وصلنا إلى هذا الدرك الأسفل"؟ ثم يسأل الطبيب: قل لي ... ما سبب الموت الحقيقي؟ فيجيبه: نعم. آه. موتنا، أم موتها؟
كتب فياض هذه الرواية في عام 1970، فيما نشرت الترجمة العربية لكتاب الدكتور فوزي منصور "خروج العرب من التاريخ" بعد ذلك بعشرين عاما. لست متأكدا مما إذا كانت مثل هذه الأعمال قد ساهمت في الترويج للآراء التي تنتشر اليوم في الهشيم العربي، عن حال العرب، مستعيرة مثل هذه العناوين في وصف حالنا: العرب أمة طاردة للحضارة، أو التخلف العربي مزروع في الجينات. وثمة من يزعم أن لا أمل البتة في تخلّص العرب من لعنة التخلف والاستبداد والفساد الأخلاقي.
لا يتحمل فوزي منصور، أو سليمان فياض، أي مسؤولية عما كان عليه حال العرب، أو عما آل إليه بالطبع، فالجميع يعرفون أن أكثر الشعوب التي تعرضت للغزو، والاجتياح، وتدمير المدن، ونهب الثروات، وانتهاك الأعراض، هي شعوب هذه المنطقة من العرب وغيرهم، هذا فضلا عن ابتلائهم بالطغيان الحاكم أيضاً.
وقد صار بوسعنا أن نشكك في مزاعم الرفض القدري العربي للتحضر، أو أساطير الجينات "المنحطة"، أو "الممسوخة"، التي يزعم أنها تشكّل شخصيتنا العربية، بفضل، أو بسبب هذه الاختلاطات القسرية التي تبلبل النوع، أو تزرع التنوّع الوراثي. فمن يستطيع أن يثبت أنه عربي قح منحدر من قحطان، أو عدنان، الأوليين؟ ولهذا قد لا يكون بوسع أحد أن يؤكد الخلاصة الحماسية عن اختصاص "الجينات" العربية بالتخلف والتطرف. فثمة الكثير من الدماء التي تغلغلت في هذا التكوين السكاني عبر التاريخ، بحيث صارت ملعباً، أو حديقة جينات متنوعة.
على أن للغزو وجهه الآخر المدمر، وقد يكون هو أحد أسباب هذا الجمود العربي المريع. إذ تسبب الاجتياح المغولي في تلوين نهر دجلة في العراق باللون الأزرق لبضعة أسابيع، لكثرة ما رمي في النهر من كتب كانت تملأ مكتبات بغداد. وهي جريمة حرب تلوّث تاريخ أولئك الغزاة بالعار، لا هؤلاء الذين دمرت مكتباتهم. ومن غير المعقول أن يتهم الضحايا في المدن السورية بـ"التخلف" لأن القنابل الأميركية والروسية المتطورة "تكنولوجيا" تقتلهم.
ومن لا يقتل منهم في المواجهة مع المعركة التكنولوجية المتقدمة، يضطر للرحيل، والهجرة، بحثا عن النجاة من الموت، لا جرياً وراء المدرسة. هذه حقيقة نشهدها بأم العين. ولم تأت الطائرات المتطورة، ولا الظلاميون، لتخيير السوريين بين الحضارة أو الجمود الفكري، بل بين الخنوع أو الموت.
أفكر أن شاتمي العرب من بين العرب خاصة يعيشون في مناطق آمنة، ليحاصروا العرب من خارج محنتهم. فمن الصعب أن نتخيّل أن لدى أولئك المحاصرين في حلب الرفاهية والوقت الكافيين لتجريس أنفسهم، أو تاريخهم. وأن أيديولوجية شتم العرب تنتمي إلى أبناء الدلال، ممن ينتظرون التغيير، وهم على أرائك الحرير.