تظلّ مقولات مثل المساواة الجندرية أو العرقية مجرّد تنظيرات ما لم تتحوّل إلى ممارسات إبداعية، سواءً في الفن أو في الفكر، فحتى التيارات البحثية الكبرى مثل الدراسات الثقافية في الأنثروبولوجيا أو المدرسة ما بعد الكولونيالية في الأدب كانت تجد صعوبةً في توفير مادة تطبيقية لنظرياتها.
في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر الكثير من الأعمال الفنية والأدبية التي تحاول ترجمة هذا الهاجس إلى أعمال ملموسة، بل باتت هناك مشاريع مكتملة تتمحور حول قضايا الآخر وأحقيته بالمساواة، من ذلك المعرض الذي يقدّمه الفنان التشكيلي الإيفواري جوزوي كومو في "غاليري شواب بوبورغ" في باريس، والذي يحمل عنوان "الأسود كَلَون"، وقد افتُتح في بداية الشهر الجاري ويستمر عرض محتوياته حتى 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
الثيمة الرئيسية لكومو هي الجسد، وبالتحديد الجسد الموجّه للتصوير. يَعتبر الفنّان الإيفواري أن الوجه أو الجسد الأبيض قد احتكر القيم الجمالية والفنية، وأن استدعاء الوجه أو الجسد الأسودين كان يتمّ إمّا باعتبارهما أكسسوارات أو ضمن رؤية استهلاكية تُسقط كلَّ ما هو "أسود" في قوالب "الأبيض".
من بين الشخصيات التي يستدعيها كومو، شخصية عارض/ة الأزياء، وهنا تكتمل مفارقته التي يحبّ أن يصدم بها المتلقّي، فشخصية عارض/ة الأزياء هي في العادة معروضة للاستهلاك البصري، لكن تتحوّل تجربة كومو إلى محاولةٍ لتحويل وجهة هذا التصوّر نحو ملامح إنسانية، فكل لوحة/صورة تحاول أن تغوص في هوية الشخصية المصوَّرة والبحث عميقاً في أبعادها، ليس باعتبارها تعود إلى أشخاص من أصول أفريقية، وإنما كبشر لهم خلف الصورة حكاياتهم وعوالمهم. يُذكر أن بعض الصور تُقدّم بِيضاً، ولكن في هذه الحالة نجد أن الفنان يضع خلفية سوداء وراءها.
هذا المعرض هو الثاني الذي يقدّمه كومو في باريس، بعد معرض في نيسان/ أبريل الماضي، والذي يُمكن القول إنه لاقى نجاحاً دعائياً على الأقل، وقد أشارت قراءات نقدية في الصحافة الفنية الفرنسية إلى أن مقولات كومو، ورغم أنها تبدو صدامية، ليست صادمة لعين المشاهد الفرنسي.