من يبق، يكتب القصّة. وأغلبُهم هُجِّر، ثم انتهت دورة حياته، فقضى ولم يكتبها.
ذلك أنهم كانوا أمّيين أبجدياً، كما ينبغي لكل فلّاح فقيه في علْم الأرض. أما نحن أولادهم، فلم نُنصت إليهم بما يكفي، لندوّن ما نحتاجه حين نعزم على الأمر.
كان ثمّة ألف "ضرورة" يتوجّب اجتيازُها، قبل أن نصِل ـ كـلاجئين ـ لترف التدوين.
والآن، مات الجيل الذي رأى كل شيء ووعى ـ بغموض ـ أكثرَه، وكان بإمكانه وحده أن يكون الشاهد والشهيد.
أما كاتب السطور، فقد سمع الكثير من القصص والحكايا، من الأم والجدّة. وسجّلَ عشرات الصفحات على كراريس مدرسية بالحبر الأزرق، لكن... في غمرة الانتقال من بيت إلى بيت، ومن منفى إلى منفى، فُقدَت "الوديعة". فهل تُسعف الذاكرة وقد عبَرَها كلُ ذلك الصخب تحت الجسور؟ الآن يحسّ بالندم مخلوطاً بفدْح الخسارة.
لقد كان يملك سرديّة شخصيّة، فأضاعها. لا بسبب الفقدان وحده، بل كذلك بسبب من سقط انشغالات، وسقط أوهام تتعلّق بالمستقَبل الأدبي.
وهكذا، بوفاة الأم لم تَنكَتِبُ قصّة النكبة في العائلة. لم تنكتب القصّة! على الرغم من بقايا أملٍ ينوس، ما بقيَ في العمر فسحةٌ واعتكاف.
من يدري؟
لعلّ وعسى!