ربّما كانت الهجرات الشيشانية والشركسية والعربية إلى مدينة عمّان، إحدى أسباب استقلاليّتها العمرانية عن بعض البلدان المجاورة، خصوصاً التي اتّخذت من القومية هوية أيديولوجية (سورية ومصر)؛ ما أدّى إلى بناء هويتها الحديثة بشكل مستقل عن هذه البلدان.
لكن، من جهة أخرى، بقي هناك أثر مرتبط بسياسات تلك الدول العمرانية، يمكن تلمّسه في الفضاءات الاجتماعية العامّة للعاصمة الأردنية. تتمثّل تلك الفضاءات بالإسكان الحكومي، وبعض المجمّعات التجارية؛ حيث تُخلق مساحة معمارية تصلح للمشاركة، لم تعد تتّخذ الآن الشكل نفسه الذي اتخذته سابقاً، في الثمانينيات والسبعينيات وما قبلها.
انطلاقاً من هذه الفكرة، تقيم المعمارية الأردنية، نهى عنّاب، معرضاً في "دارة الفنون"، يُفتتح في الأول من كانون الثاني/ سبتمبر المقبل، بعنوان "آثار اشتراكية"، ويستمر حتى نهاية العام الجاري.
في معرضها، تقدّم عنّاب صوراً فوتوغرافية التقطتها لعدّة مبانٍ من الداخل والخارج، تُبرز فيها تلك "الهوية الاشتراكية" في طريقة تصميم العمارات التي تنتمي إلى فترة زمنية محدّدة، في إشارةٍ إلى افتقاد عمّان لهذا النوع من العمارة الآن.
ومن خلال اسم المعرض، تُحيل كلمة آثار إلى قِدم هذه التكوينات؛ وكأنّها تمثّل حقبةً بائدة، خصوصاً مع انتشار طابع عمراني اعتباطي تشهده المدينة، وأثّرت فيه التغيرات الإقليمية. واتّخذ هذا الشكل، لاحقاً، منحىً طبقياً؛ إذ انقسمت عمّان إلى شرقية وغربية.
في الشرقية، نقف أمام مبانٍ مبعثرة، من الواضح أنّها تنتمي إلى الطبقة دون الوسطى، لكن في الغربية، نشهد عمراناً غربيّ الطابع، ينتمي إلى الطبقة البرجوازية التي أفرطَت في البذخ المعماري الذي يجده كثيرون تشويهاً لأصالة عمّان.
لا تنظر عنّاب إلى المدينة بوصفها "كائناً" مستقلّاً، وإنّما جزء من علاقة متكاملة أطرافها هي المدينة نفسها، والمواطن والدولة؛ فترصد في معرضها التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على هويّة العاصمة، موثّقةً تلك التغيّرات التي عاشتها.
اقرأ أيضاً: عمّان.. عمارة من قسمات الجبال