طغت شخصية الكاتب اللبناني، جبران خليل جبران (1883 - 1931)، وسيرة حياته على تلقّي نتاجه الأدبي، وقد نُسجت هذه الصورة بفعل جملة أساطير، ساهم هو نفسه في ابتكار بعضها وتكريس بعضها الآخر.
تبدو فتنة صاحب "النبي" أشدّ تأثيراً وحضوراً في وقع الذين قرأوا أعماله والمؤلّفات الكثيرة عنه واطّلعوا على رسوماته، أو استمعوا إلى قصائده التي غنّاها عددٌ من الفنّانين، فرغم انبهاره بالفلسفات الشرقية وكتابات نيشه تحديداً، إلّا أن روح التمرّد في نصوصه التي تمثّل محاكاة للكتاب المقدّس، في مقاربته للجمال والخير المطلَقين، كانت وما زالت العنصر الأساس في خلق تلك الجاذبية أو الهالة حوله، والتي لا توازيها أفكاره ورؤاه التي يطرحها وتغلب عليها نزعة رومانسية مثالية.
لا يمكن إغفال مثل هذه الخلفيات عند متابعة الاحتفاء الدائم بواحد من أبرز كتّاب المهجر العرب في الثلث الأول من القرن الماضي، ومنها المعرض الذي أقامته "دار سوثبي" اللندنية بين السادس والعاشر من الشهر الجاري، بعنوان "دليل في زماننا".
يُحيل العنوان إلى المكانة الرمزية التي يراها الفنّانون الثماني والثلاثون المشاركون في المعرض، حيث "استمدّوا محتوى أعمالهم من رسالة السلام وبناء الجسور التي تنبع من أشعاره ورسوماته وكتبه، وتحديداً كتاب "النبي" الذي يحتفل هذا العام بمرور 95 عاماً على نشره"، بحسب بيان الجهة المنظّمة متمثّلة في "مؤسسة كارافان الفنية" التي أسّسها القس الأميركي بول غوردون تشاندلر، الذي يهتم بأعمال جبران وألّف كتاباً حوله.
وهنا، يُستحضر صاحب "البدائع والطرائف" من قِبل هيئة خيرية غربية في إعادةٍ لإنتاج التصوّر ذاته حول الشاعر بوصفه "نبياً" غريباً عن أرضه وأهله في الولايات المتّحدة قبل حوالي قرن، ليعود هذه المرّة مبشّراً برسالته "في لحظة تشتدّ فيها النزاعات والخلافات بين الشعوب"، وفق البيان ذاته.
في عملٍ بعنوان "المهاجرات" نُفّذ بألوان زيتية على الخشب، يصوّر الفنّان المصري هادي برعي نساء حائرات ومستسلمات إلى مصيرهن؛ حيث يعتقد برعي بأن الجميع يؤوبون في النهاية إلى أصلهم الواحد بعد أن تفرّقوا جماعات ومذاهب.
وتقدّم الفنّانة اللبنانية السورية رنا شلبي لوحة من مواد مختلطة تصوّر اجتماع البشر حول مخلّصهم، في استمرار لتجربتها السابقة التي تتناول خلالها حركة الدراويش في حلقات التصوّف.
أمّا "عندما يخطب لك الحب اتبعه"، فهو عنوان العمل الذي يشارك به الفنّان البحريني عباس يوسف، ويتضمّن كتابات تُغطّيها زخرفات وورد ومربّعات، وتتوسّطها صورة صغيرة لجبران، بينما تُحاكي مواطنته طيبة فرج رحلة بحث الكائن عن الإله التي تشكّل جوهر حياته، حيث ترسم أشخاصاً يقتربون من بعضهم على هيئة إنسان على رأسه الطير في تجسيد لحالتَي السكون والرهبة.
وتشارك الفّنانة اللبنانية كريستين صالح جميل المقيمة في لندن بلوحة بعنوان "التائه"، مستلهمة من صورة لجبران التُقطت له في 1890، وتعكس تأمّله وسط أغصان الشجر.
أمّا الفنّان المصري وائل درويش الذي يمزج بين الرمزية والتعبيرية المعاصرة والسوريالية، فتختفي صور وأيقونات في عمله خلف كتابات تعلوها طيور تخرج منها ومفاتيح معلّقة في محاكاة للعطش الإنساني تجاه فكرة الحب.