كان بيكيت قد وصل إلى بهو الفندق، حيث ينزل بنتر، أول المساء، فقد تواعد الاثنان على قضاء بعض الوقت في المدينة. يصف بنتر بيكيت بخطواته الحادة ومصافحته السريعة ونظرته القوية ولغته الودودة إلى أبعد حد. سرعة الخطوات والسلام هذه، انتقلت لتصبح سرعة في قيادة السيارة، ليكتشف بنتر جانباً لم يكن يتوقعه من بيكيت، إنه مهووس بالسواقة السريعة.
أمضى الاثنان طيلة الليل يجوبان باريس، حتى انتهى بهما الأمر إلى الجلوس فجراً في مطعم في "ليز آل" ليتناولا حساء البصل. يصف بنتر مشاعره، وقد كان منهكاً تماماً من الشرب والتبغ والإثارة، وبدأ يشعر بحرقة المعدة وسوء الهضم بعد هذه الليلة. وضع هاري رأسه على الطاولة ليستريح قليلاً، ولمّا رفع رأسه لينظر نحو رفيقه، كان سام قد ذهب، اختفى هكذا من دون سابق إنذار. أجل كانت الساعة الرابعة فجراً، يتذكر بنتر الوقت بدقة.
"لم يكن لدي أدنى فكرة إلى أين ذهب فجأة هكذا، قلت لنفسي ربما كان كل هذا حلماً. أظن أنني نمت على الطاولة. بعد خمس وأربعين دقيقة، سمعت ضربة على الطاولة، رفعت رأسي فوجدته واقفاً ومعه كيس في يده. قال: "لقد جبت كل باريس اللعينة لأعثر لك على هذا، وأخيراً وجدته". وفتح الكيس ليعطيني علبة من بيكربونات الصودا، والتي فعلت المعجزات حقاً".
ما أبعد هذا البيكيت، عن بيكيت الصموت الذي التقى بجيمس جويس، وفي إحدى هذه اللقاءات جلس الاثنان معاً قي إحدى مقاهي باريس سبع ساعات من دون أن يقول أحدهما كلمة للآخر. كان جويس يحب صحبة بيكيت، لكنه يريد أن يبقيه على مسافة منه في الوقت نفسه، قال له مباشرة "أنا لا أحب أحداً سوى عائلتي"، رد عليه بيكيت "أنا لا أحب أحداً سوى عائلتي أيضاً". لكن تلك الغرابة والحدة في عقل بيكيت كانت تجتذب جويس، وكان يطلب منه أن يقرأ له مقاطع من أحد كتبه المفضلة وهو كتاب فريتز موتنر "في نقد اللغة".
وفي جلستين كان جويس يملي مقاطع من روايته "يقظة فينغان" على بيكيت الذي كان يكتب بتركيز شديد، حتى أنه لم ينتبه أن الباب يدق، قال جويس "ادخل"، فكتب بيكيت في نص الرواية "ادخل"، معتقداً أنها جزء مما يمليه جويس، وحين أعاد الأخير قراءة المسودة سأل: "ما هذا؟"، أجاب بيكيت "أجل أنت قلت هذا".
وما أبعد هذا الجويس عن جويس الذي التقى بمارسيل بروست في مرة يتيمة؛ شاءت فيها الصدفة أن يركب الاثنان سيارة الأجرة نفسها خارجين من حفلة في باريس. فتح جويس النافذة غير آبه بصحة بروست العليلة، وتقريباً تشاجر الاثنان.