يقدّم كتاب "جيش الإنقاذ"، وهو آخر كتاب نشره عبد السلام العجيلي قبل أن يرحل عن عالمنا، سرداً متنقلاً بين الذكريات عن تلك الأشهر التي انضمّ فيها إلى جيش الإنقاذ الذي شكله متطوّعون سوريون مدنيون وعسكريون سابقون أو هاربون من الجيش تحت قيادة فوزي القاوقجي في سنة 1948.
والظاهر أن روح القصة هي التي غلبت في نهاية الأمر على الوقائع التي لم يسجلها كلها في دفتره الصغير الذي كان يصاحبه في تلك الأيام. ويظهر هذا في البورتريهات التي يكتبها عن المقاتلين الذين شاركوا في حملة جيش الإنقاذ، ومن بينهم مواطنون مجهولون لم يكن ليذكرهم التاريخ، وهو لا يذكرهم في جميع الأحوال، لولا أن وضعهم عبد السلام العجيلي في سياق ذكرياته، كما يظهر في لقائه بالشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) الذي كان يعيش إبان تلك الحرب في عكا.
ويبدو الكتاب مثل تلويحة وداع متعبة من يد ذلك الكاتب الذي غامر بروحه في تلك الحرب الخاسرة العجيبة، ويظهر هذا الأمر في استعارته قصتين من قصصه في فصول الكتاب، إحداهما يعيد إخراجها من وضعها التعبيري كقصة، كي يرويها كواقعة حقيقية يذكر فيها اسم بطلها، والأخرى ينشرها كما نشرت من قبل هي "نبوءات الشيخ سلمان" برمزيتها المبكرة عن مسار البلاد المقبل: "يجيء الطيبون في البدء ويذهبون، ثم الأقل طيبة، ثم يأتي الخبثاء".
ومن المؤكد أن يترافق شعور بالحماسة لدى القارئ تجاه أولئك الشبّان الذين يذهبون بدون عتاد عسكري حقيقي، وبدون خرائط تدلهم على الجغرافية التي سيقاتلون فيها، للانخراط في حرب غامضة تقودهم إليها الدوافع الوطنية، مع إحساسه بالغم من أن يكونوا قد ذهبوا وحدهم تقريباً للقتال، أو أن يكونوا ذاهبين لقتال عدو مثل العصابات الصهيونية المدججة بالسلاح والعتاد الحربي وهم يرتدون تلك الأسمال الرثة التي تظهر في صورهم التي ينشرها في الكتاب.
إضافة إلى الذكريات عن تحركات ذلك الجيش البسيط من المتطوّعين السوريين في جيش الإنقاذ، يمكن للكتاب، خاصة في القسم الأول منه، أن ينتج أسئلة كثيرة سكت عنها العجيلي، أو تجاهلها تماماً. أولها أنه يستخدم كلمات مثل "هرب، هجر، تحدى رؤساءه" حين يذكر قدوم الضباط السوريين للتطوّع في جيش الإنقاذ، بدون أن يسأل أو يجيب عن سؤال قد يفكر به قارئ كتابه: لماذا لم يكن الجيش هو الذي شارك في الحرب، لا مجرّد متطوّعين لا يعرفون شيئاً عنها؟
وثانيها هو أن يكون رئيس الجمهورية آنذاك شكري القوتلي قد استقبل النائبين أكرم الحوراني وعبد السلام العجيلي في مكتبه، كي يودّعهما قبل التحاقهما بجيش الإنقاذ، وأن يكون فوق ذلك قد قدّم لهما مساهمة مالية أقسم أنها من ماله الخاص، لا من ميزانية الدولة.
ولهذا فإن السؤال الذي يبقى ماثلاً أمامنا هو: إذا كان رئيس الجمهورية عاجزاً عن تقديم مساعدة مالية للمتطوعين السوريين في الحرب، فمن الذي استطاع أن يمنعه عن القيام بذلك؟