تحيل عبارة "ما فوق المسلم" التي اختارها المحلل النفسي التونسي فتحي بن سلامة جزءاً من عنوان كتابه الجديد إلى مصطلح نيتشه "ما فوق الإنسان" الذي جرى توظيفه في الدعاية النازية أو تذويبه في الفضاءات التخييلية، كما في شخصية سوبرمان في السينما أو في الأشرطة المصوّرة.
"ما فوق الإنسان" النيتشوية تمخّضت عن تعالي العرق الآري، وأنتجت ما أنتجت من حروب وعنف، ولعل "السوبرمان" الأميركي مثّل هو الآخر نواة الكثير من العنف وإرادة فرض الهيمنة اللذين انتشرا في الكوكب تحت الرعاية الرسمية الأميركية. أما "ما فوق المسلم" فهو "صانع العنف اليوم"، وهو من يستدعيه بن سلامة إلى أريكة التحليل النفسي.
يحمل الكتاب الذي صدر في أيار/ مايو الماضي عن منشورات "سوي" في باريس، عنوان "رغبة عارمة في التضحية. ما فوق المسلم".
عمل يمكننا التقاط سياقاته ليس فقط من موجة عامة باتت توظّف كل المعارف لتشريح ظاهرة باتت شأن الجميع، بل يمكن ربطه أيضاً بمسار بن سلامة خصوصاً في عمليه "الإسلام والتحليل النفسي" و"حرب الذاتيات في الإسلام"، حيث نجد تفسيرات أولية لبروز ظاهرة التشدد الديني، مثل مفهوم "يأس الجماهير"، والذي يطوّرها في كتابه الأخير.
"رغبة عارمة في التضحية" يبدو خطوة جديدة في الطرح المفاهيمي لبن سلامة، فـ "ما فوق المسلم" هو تعريفاً مجموعة مُركّبات متخيلة توجّهها تأويلات عن مسلم نموذجي. هذه العملية تجعل المسلم (الطبيعي) يحاول أن يتجاوز إسلاميته، أي "أن يكون مسلماً أكثر"، وهي المنطقة التي يدخلها البعض فيتحوّلون إلى "مشاريع جهاديين".
يساعد هذا المفهوم بن سلامة على تقديم طرح حول السؤال الذي ينطلق منه: كيف يمكن تفسير الرغبة في التضحية التي تحكم هؤلاء الانتحاريين؟
يعتبر صاحب "ليلة الفلق" أن "ما فوق المسلم" بدأ يتبلور منذ قرن تقريباً، مع سقوط مرجعية الخلافة (1924) وهو حدث انضاف إلى الاستعمار والتلاعبات الغربية بعد الحرب العالمية الأولى (سايكس بيكو)، ما ولّد شعوراً بالعجر أمام الآخر الغربي سيتحوّل إلى عملية بناء "يوتوبيا إسلاموية" أخذت تتطوّر وتتحوّل إلى "سياسة لتنظيم الكراهية ضد الغرب باسم الإسلام"، وقد غذتها الكثير من عمليات المزايدة على الهوية وربما تلاعبات جيو إستراتيجية (ليس السوبرمان الغربي بعيداً عنها).
هكذا يقدّم الكتاب محاولة في تفسير أسباب صناعة نموذج "ما فوق المسلم" بتشويهاته التي نراها اليوم. قراءة على جدّيتها تبدو وكأنما تنظر إلى الظاهرة من خارجها، لعله دور المحلل النفسي، ولكنها أقرب إلى نظرة للظاهرة من موقع الغرب.