حتى الأحد المقبل، 26 من الشهر الجاري، تتواصل الدورة الخامسة من "معرض سوسة الدولي للكتاب" الذي يأتي بعد أيام معدودة من اختتام "معرض تونس الدولي للكتاب". ومن الواضح أن المشرفين على "معرض سوسة" قد اختاروا موعداً قريباً من تاريخ تنظيم معرض الكتاب الرئيسي في البلاد، إذ يتيح تقاربهما مشاركة أكبر، خصوصاً للناشرين الأجانب، على خلفية أن "سوسة" ليس على روزنامة المواعيد المكرّسة في العالم العربي، غير أن المتابع عن قرب يعلم أن هذا الأمل لم يتحقق، بل من الصعب تحقيقه في المدى المنظور.
فدور النشر العربية التي أتت إلى "معرض تونس"، لا تظل أسبوعاً إضافياً في انتظار "معرض سوسة"، ورغم ذلك تحضر كتبها، وهو حضور يؤمّنه الموزّعون بالأساس أو ناشرون موكّلون بعرض كتب غيرهم، وهذا الأمر يجعل من المعرض الثاني أقرب إلى موعد تجاري منه إلى معرض كتاب بالمعنى الموسّع للكلمة. فحضور الكتب ليس سوى عنصر من عناصر إنتاج معرض كتاب ناجح، وحضور الناشرين وتفاعلهم عنصر آخر لا يقلّ أهمية، غير أنه غائب تماماً سوى من ناشرين تونسيين، ما يجعل من المعرض على عكس تسميته معرضاً محلياً في مقام أوّل.
ولعل هذا الوضع يفتح على إشكالية أساسية تتعلّق بقدرة المدن غير العواصم في العالم العربي على تنظيم تظاهرات ثقافية ذات مستوى وتحقيق إشعاع يُشعر متابع الحياة الثقافية أنه يمكن تجاوز مركزية العواصم، على الأقل في المدينة الثانية أو الثالثة في هذا البلد العربي أو ذاك. سوسة بالمناسبة هي ثالث المدن التونسية كثافة سكانية، وهي مدينة جامعية يقطنها عدد من الأسماء الثقافية في مجالات متعددة، غير أن كل ذلك لا يشفع لها كي تتحوّل إلى مركز ثقافي ثانٍ مع تونس العاصمة.
وليست معارض الكتاب استثناء فالمهرجانات المسرحية أو السينمائية والبينالات التشكيلية تعرف نفس الأمر، وبظل أبلغ إشارة عن عجز المدن غير العواصم على صناعة مشهد ثقافي ولو ظرفياً ما يحدث من سنوات من تقهقر في إشعاع تظاهرة "عاصمة الثقافة العربية"، فمنذ أن انتهى تداول تنظيم التظاهرة السنوية بين العواصم، جرى المرور إلى مدن أخرى؛ غير أن قسنطينة الجزائرية أو صفاقس التونسية أو الأقصر المصرية لم تحقّق أي نجاح، كما اعتذرت البصرة بداية هذا العام عن تنظيمها، وعُهدت إلى وجدة المغربية التي يصعب أن نتوقّع منها أفضل من سابقاتها.
بالعودة إلى "معرض سوسة الدولي للكتاب"، فضمن هذا الوضع العام لم يبق متاحاً لتحقيق إشعاع سوى اقتراح برنامج ثقافي ثري، وهو أيضاً ما لم يتجسّد، حيث نعثر على تشابه كبير مع برنامج "معرض تونس"، بالإضافة إلى هيمنة تقديم الكتب على كل شكل ثقافي آخر. حيال كل ذلك لا يبقى للمعرض سوى أنه يحقّق حركية في سوق النشر في تونس، ولعل هذه النقطة وحدها هي ما يجعل الناشرين والمشرفين عليه فرحين بما لديهم.