عن فتاةٍ تخلع حذاءها
فتاةٌ تخلعُ حذاءها في أقاصي طفولتي،
لكنْ فوق العالم يطفحُ السخطُ المتطاير
وأحدهم على الطرف الآخر منّي يفتحُ نافذةً
على العراء ليرمي منها قلبه.
فتاةٌ تدوِّنُ في دفترٍ أبيضَ
مخاوفَها القاتمة
وسربُ طيورٍ عرّافاتٍ يعبرُ السماء.
مُحيّاها يتلاشى
ويتركُ ظلالاً مسنونةً ترفرفُ على الجدار
حين أصحو.
تهرب منّي ضحكتها التي من أوراقٍ جفّفتْها ريحُ الصباح
بينما أنا أتناول فطوري الاعتيادي
من كلماتٍ باردة.
فتاةٌ تتعرّى في حُلمي،
لكنْ فوق جسدي الآن بدأت تنعقدُ أولى جذور
الشجرة الجوفيّة
تلك التي ستظلّ تنمو إلى الأبد
تماماً في الجهة النقيضة منّي.
■
كلمة حيوانية
حينما ترجع الكلمة
يعود معها جُوعها الحيوانيّ
غريزتها الوحشيّة.
وفي الجهة المقابلة الصمتُ
المُتحيّنُ في الظّل،
يشحذُ مِخلبه.
نهشاً بالأسنان يُنظَمُ
كلُّ شِعر.
■
بلد الصمت
أحدٌ مّا يتجرّأ ويسألُ عمّن لم يعُدْ.
والظلالُ تُجيبه: لا شيء، لا أحد، لا أحد منهم.
أحد مّا يمضي هائماً وهو يتشمّمُ الخطواتِ الأخيرةَ،
التأوّهاتِ المتروكةَ في الهواء، الأصواتِ التي لا تزال
تتسلّل من تحت الأبواب. أحدٌ مّا
تحت الأغطية الرطبة لمنتصف الليل
لا يستطيع التصالح مع الرُّقاد، ينتظرُ حتى أوجِ
كآبةِ الفجر ذلك الخبرَ، تلك اللحظةَ، تلك الـ كفى،
تلك الصرخةَ النهائية التي ستسترجعُ جريان الأيام
وتُفرِجُ عن الصوت فوق الفراغِ
المحفورِ بسنينَ من صمتٍ
وخوف.
■
وهناك من يخطر في باله أن يُولد
لأنّ أحداً لا يحذّره في الوقت المناسب،
لأنّ ذلك يبدو سهلاً للغاية.
لأنّ لحظةً مفتوحةً وُجدتْ في النور
في منتصف العبث.
لأن الزمن دار
وحطّم شيئاً ما في الظُّلمة.
لأن باباً كان هناك لم يُغلَق بالكامل،
ثقبٌ صغيرٌ لا يُذكر
في العدم.
■
دار حقيقية
الزمنُ يحفر فيكَ
قبراً،
والفراغُ الذي تسكنُه أنتَ
الآن بلا أحلامٍ أو كلماتٍ
سهلة.
سريٌّ ووحيدٌ ذاك المكان
الذي فيه، باتّقادٍ أكثر،
تمتلكُ نفسك.
■
رُهاب الفراغ
أن تكونَ
هذا الغثيان الضاري
الذي يجلبه الليلُ للنهار.
بقعة شحمٍ هائلةٍ
على مرايا النور.
أن تتحرّك كي تحسّ
أن مكاناً مّا يُشغَل.
أن تتكلّم كي
تؤنِس الفراغ.
أن تكتبَ كمن يقذفُ
حجارةً إلى البحر.
أن ترغبَ في إفاضةِ
العدم
صرخةً إثرَ صرخة.
■
نافذة على الحديقة
(1)
الفراغُ
-هذه الحديقة هناك في النهاية
حيث تعودُ لتحتسيَ قهوتكَ القاتمة،
وتقرأ جريدة الأحد في الساعة الدقيقة ذاتها،
تلك اللحظة حيث يبدأ كلُّ شيء فيها بالانحناء،
ويميل.
تتجنّبُ الأسئلة الغامضة أكثر من اللازم.
تتشبّثُ بالشمس مثلما تتشبّثُ بالمعانقة الوحيدة.
طقوسٌ متواضعةٌ تحرسُك
صدقاتٌ متواضعةٌ تتكرّر،
أفعالٌ روتينيةٌ لن يرتاب لأمرها أحد.
هواءٌ لا تزال تسعى للفوز به،
ماءٌ تشربه
دون أن تُحذّر البئرَ من ظلٍّ
يتطاول تحت قدميك.
غداً ستبدأ من جديدٍ دون أن تلتفتَ برأسك
حتى وإن لم يبقَ لك رأسٌ أو بالكاد نعمْ حجرٌ،
ريحٌ باردة،
نارٌ فوق كتفَيك.
(2)
ستأتي عندئذٍ لحظةٌ
هادئةٌ وهشّة
لهزيمةٍ حميمة،
حيث يكون ضرورياً الإنصاتُ والسكوت.
إنجازُ المهمة،
عدمُ إضافة أيّ شيء،
عدمُ استنتاج أيّ شيء.
قبولُ ما هو آخَر.
استقالةٌ هادئةٌ للأنا تحت وطأة الضوضاء.
مع أنّها حافّة الحلم،
يدُكَ ستكملُ تحرّيَها
مأسورةً في إيماءةِ التمسّكِ بيدٍ أخرى،
في إيماءة الإجابةِ حَيرى على إيماءةٍ أخرى
-خلفَ الهواء.
* Pedro Arturo Estrada، شاعر وروائي كولومبيّ (1956). نشر أول مجموعة شعرية له وهو في الثامنة والثلاثين بعنوان "قصائد بالأبيض والأسود" (1994)، ثم أتبعها بـ"فطوم" (2000) و"عمر قاتم وقصائد أخرى" (2006)، ثم "مقدار من الوقت" (2010) و"غناء منفرد" (2015). تميل موضوعاته إلى القتامة، وتشكّل بذلك مفارقة مع اللغة التي وصفت بأنها ذات "وضوح خطر وتجريبية عالية".
**ترجمة عن الإسبانية: كاميران حاج محمود