الرجل المستقيم
كان لديه هوسٌ بطوليّ جميل بكلّ ما هو قائم الزوايا، مستقيم، ومربّع الشكل. كان يقضي نهاره مرتِّباً اللوحات وقطع الأثاث والسجّادات والأبواب والسواتر الفاصلة داخل الغُرف، لتصير حوافها على تناسقٍ دقيق فيما بينها. كانت حياته شقاءً قاسياً وخُسراناً مرعِباً. يجري وراء أفراد العائلة والخدَم يرتبُ بصبرٍ، أو بنفاد صبرٍ، كلّ ما يصادفه في حالة فوضى.
كان يفهم جيداً حكاية ذاك الذي قلع ضرساً سليماً من الجهة اليمنى لأنه اضطرّ، من قبلُ، لقلع ضرسٍ منخور في الجهة اليسرى.
عندما كان يحتضر، راح يتوسّل الجميع بصوت واهنٍ أن يُسوّوا وضعيّة سريره ليكون متناسقاً مع الكومودينو، والخزانة، واللوحات، وحتى عُلب الدواء.
عندما مات ودفنوه، أودع حفّارُ القبور تابوتَه القبرَ في وضعيّة منحرفة، ليبقى عليها هكذا إلى الأبد.
المُحتَّم
إنه الآن في غرفته يرتدي ملابسه، أمامه دقائقُ معدودة، إذ ينبغي عليه اللحاق بموعدٍ لحضور مراسم دفن.
بين ارتداء البنطلون والصدرية، وانتعال الحذاء، وعَقدِ ربطة العنق، تجول في خاطره أفكار عامّة تُغويه بالجلوس للتفكّر فيها، وتبدو مُلحّةً أكثر من موعده المستعجل، فتُجلسه.
بيد أنّ عينيه تقعان على مسمار يبرز نصفه في أحد الأبواب: مسمارٌ مستقيمٌ، لامعٌ، نموذجيُّ الحجم، ومثاليٌّ، يغوي أيّاً كان أنّ يكمل دقّه، رغم أن لا حاجة عملية لفعل ذلك. هناك، في متناول يده، المِشجبُ الذي كان يحمل سُترته، أداةٌ تصلح مطرقةً خشبية وكأنها أُعِدّت خصيصاً من أجل دقّ ذلك المسمار المغري.
يعدِلُ عن الذهاب لحضور مراسم الدفن، يُؤجِّل الأفكار العامّة التي راودته، يتناول المشجب، وينكبُّ على المسمار يدقّه في عنايةٍ وتأنٍّ.
* Juan Ramón Jiménez شاعر وقاص إسباني، من أعماله "مذكرات شاعر تزوج حديثاً" و"حماري وأنا"، نال جائزة نوبل عام 1956.
** ترجمة كاميران حاج محمود
اقرأ أيضاً: أنتظر وصول رسالة ما