رسالة غير مرئيّة
هل تُصَدّقِينَ أنّني مُتُّ
والآنَ أكتبُ مِنْ حَيَاةِ بَعْدَ الحياة؟
هُنَا تَتَشَابَكُ النظراتُ والأيْدِي
حتّى الغُصْنُ يُمْكنُ أنْ يَدْعُوَك
ثمّ يَلْتَفَّ حَوْلَ مِعْصَمَيْك
فتخْضَرُّ الأصَابِعُ، يَنْبُتُ في الرأسِ
مَرْجٌ وفي القلبِ وَرْدَة
الربيعُ عندنا أبديٌّ لأنّ كلَّ شيءٍ يُشيرُ إليه
غيابٌ أزليٌّ للشَّكْلِ - يَسْتَوي القُبْحُ والجَمَالُ
الشبابُ والكهولُ،
حتَّى أنّني أكتبُ هذي الكلمات
على صَفْحَةِ الرّيحِ والبرقِ،
فأبْدُو نَسْمَةً، غَيْمةً ماطِرةً أو عاصِفة
فلا تَتَعَجّبِي حينَ أصِيرُ للَحْظَةٍ
بنصفِ قلبٍ وإحدى الرئتين
ولا تَنْدَمِي لرَحِيلي
لأنَّ مَا نَفْعَلُهُ ها هنا
تَعْزِيزُ أُخُوّةِ الأوكسجين
تَذكّري أنَّ الرُؤْيةَ عادةٌ سيئةٌ،
أضْعفُ نقطةٍ هي
أنْ يَكونَ الشيءُ مرئيَّاً.
برمنغهام 12حزيران 2015
أُمسية شعريّة
أَرَدْتُ إرْجاءَ زِيارتي قبرَ أمِّي،
كانتِ السماءُ تَدْحُو خرائطَها على عجَلٍ
تَوَقّفْتُ فجأةً في ساحةِ ثورةِ العشرين،
حيثُ لا ثوَّارَ يُولولونَ، لا بنادقَ مُشرعة
توقفتُ لكنَّني لمْ أرَ الوجوهَ جيِّدا
لكَثْرةِ العابرينَ وزَحْمَةِ الْغُبار
الجدرانُ والأحجارُ هي الشاهدُ الوحيد،
هي مَنْ يَرفو بأظافرِ الليل
ذاكرةَ النسْيان.
تذكّرْتُ
ها هنا كانتْ تماثيلُ مَنْصوبة
لكنَّها رَحلَتْ أُسْوَةً بتقاويمِ السنين
زالَ الزعيمُ مِنْ هُنا واخْتَفَى الملكُ،
غابتِ
التضاريسُ، الوردةُ التي صفّقَتْ
لنجاحِنا نكّسَتْ رأسَها،
والإشاراتُ صارَتْ لا تُفْهَمُ
ثَمَّةَ زَحْفٌ لعالمٍ آخر
حتَّى الإمام لم يَعُدْ يَكْتَرثُ
ربّما لضيقِ الوقتِ أو لكثرةِ الشاكين.
كلٌّ يمضي إلى سبيله،
النهارُ لمخْدَعِهِ،
السياسيُّ لمكائدِهِ،
الفقيرُ لمأدبةِ الحُلم،
رجلُ الدِّينِ لحظوةِ الدنيا وتفسيرِ ما تبَقّى من الأوهام،
وأنا سِرْتُ في طريقِ المقْبَرةْ
فتّشْتُ طويلا في جيوبِ الْغَسَقِ
لم أجدْ أحدًا هُناك
أخرجتُ هذهِ القصيدة
وصِرْتُ أَقْرَأُها
على مَسامِعِ الْمَوْتى.
برمنغهام 1 كانون الأول 2014
دَعْوَة
لنْ أدْعُو أحدًا بعدَ الآن إلى بيتي
قُفْلِي صَدِئٌ
جيراني فئرانٌ
منْ كانَ يُحَيّيني خنزيرٌ
والمنزلُ مسكونٌ بالأشْباح
لنْ أدْعُو بنتَ الجيرانِ عليها خوفًا
مِنْ مَلَكِ الْجِنّ الجالسِ خلفَ الباب
لنْ أدْعُو الدّلفينَ صديقَ العُزلة
لنْ أدْعُو مَنْ يَحْبُو خلفَ ظلالِ السُّلطان
لنْ أدْعُو ما يُمْكنُ أنْ يُدْعَى مِنْ عَفَشِ الدُّنيا
هذي الليلة
قَرَّرْتُ بأنْ أدْعُو البحرَ
أدعو أسماكَ البحرِ جَمِيعًا
أدْعوها بعدَ الحفلةِ أنْ تأخُذَنِي
حَتَّى جوفِ الحُوت
كَيْ أكتُبَ قِصَّةَ نَفْسِي
كَيْ أَعْزِفَ لَحْني المَوْعُود.
وارسو 16 حزيران 2014