يتمتّع كتاب "صدام الحضارات" لمؤلفه صامويل هيتنغتون بما يشبه النجومية بين الأعمال التي صدرت في العقود الأخيرة، خصوصاً أن الأحداث التي يشهدها العالم، مثل 11 أيلول/ سبتمبر أو عمليات باريس، تستدعي تفسيرات وتأطيرات نظرية يجدها البعض في عمل هيتنغتون. لكن إلى أي حد يمكن الاطمئنان إلى هذه الأفكار، على الأقل علمياً؟
في هذا السياق، ألقت أمس الباحثة التونسية ناجية الوريمي محاضرة بعنوان "صورة الإسلام في نظرية صدام الحضارات"، وذلك ضمن أعمال ندوة "الإسلام في مرآة الآخر: الصور والتمثّلات" التي نظمتها "كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية - تونس" ومؤسّسة "مؤمنون بلا حدود".
تشير الوريمي، في بداية محاضرتها، إلى أن تناولها لعمل هيتنغتون لم يكون سجالياً، وإنما محاولة لتفكيك محتوياته باعتماد وسائل تحليل الخطاب. تعتبر الباحثة أن العمل ليست له قيمة معرفية، وهو ما تبيّنه في ورقتها، وأن ما يفسّر نجاحه وشهرته هو أبعاده الإستراتيجية التي يستثمر من خلالها.
ترى الباحثة التونسية أن كتاب "صدام الحضارات" يحتوي على مخاتلة إيديولوجية وتوتّرات دلالية، وتسجّل اختلافاً في التعامل مع المفاهيم بين تناوله لحضارة وأخرى، في حين أن العلم يقوم على ثبات تعريفات هذه المفاهيم.
تؤكد هنا أن المؤلّف يستدعي سجلاً خاصاً حين يتحدّث عن الإسلام، فيجري تحوير دلالات مفاهيم مثل الدين والهوية والقوة، معتبرةً أن هذا "الاضطراب الاصطلاحي" مقصود من أجل غايات غير معرفية.
تقول الوريمي إن "صورة الإسلام لدى هيتنغتون ثلاثية الأبعاد، هذه الأبعاد هي: معاداة الآخر، ودموية الإسلام، والتعارض مع شروط الحداثة"، أي أنه يعتبر أن الحضارة الإسلامية بطبيعتها صدامية. كما تشير إلى أن هيتنغتون يرفض التمييز بين مستويات الإسلام (إسلام معتدل، سلفي، سياسي، متشدّد... ) ويعتبر أن الغرب والإسلام يتعامل كل واحد مع الآخر على أنه "آخر".
هنا تؤكّد الوريمي بأن هيتنغتون لعب على مغالطة معرفية حيث أنه قدّم صورة جزئية للإسلام وعمّمها، و"هو تعميم مخل بالأخلاقيات العلمية".
اقرأ أيضاً: أبو يعرب المرزوقي: واقفون في جغرافيا استعمارية