هذه المصادفة ستكون بداية لأكثر من أمر؛ كان فوكو مهتماً وقتها بفهم تغيّرات التمثلات بين الأجيال، ولم يكن لديه معارف يساعدونه في اكتشاف ما يدور في أذهان الشباب عن مشاغل العصر كالسياسة والجنس والمخدّرات والعمل والدين والقراءات وغيرها.
وجد صاحب "تاريخ الجنون" في مرافقه عوناً على ذلك وهو ما دوّنه لاحقاً في كتاب له لم يعتمد فيه أسلوباً أكاديمياً وإنما صاغه كمجموعة حوارات قريبة من الكتابة السِيرية بعنوان "عشرون عاماً وبعد؟" لم يمضه باسمه وإنما باسم المستوجب تيري فولتزال (صدر في 1978، وأعيد إصداراه في 2014). يكتشف القارئ من خلال الكتاب أن تلك المصادفة في صيف 1975 أفضت أيضاً إلى علاقة غرامية بين الرجلين.
إلى 2017، لا تزال تلك المصادفة منتجة للأحداث والأعمال الفنية، فالمخرج المسرحي الفرنسي بيار مايي ينطلق منها لكتابة مسرحيته "ليتزلوف.. بروتريهات فوكو" التي بدأ عرضها الشهر الجاري في مسرح "مونفور" في باريس.
الصيغة الحوارية لكتاب "عشرون عاماً وبعد؟" ساعدت كثيراً مايي في عمله، غير أنه يقدّم تحويرات قوية، ففولتزال يظلّ عمره في المسرحية عشرين عاماً، وبالتالي فهو يحمل معتقدات ابن العشرين في 2017 وليس في 1975، بينما يظلّ محتوى خطاب فوكو نفسه دون تحيين. لعبة تؤدّي بالتالي إلى إعادة قراءة كل كتاب فوكو.