"الخبيئة" عنوان معرض جماعي لست فنانات مصريات، يقام حالياً في الإسكندرية بين قاعتي "الجزويت" و"أتيليه الإسكندرية"، ويتواصل حتى الثلاثين من الشهر الجاري، حيث تحضر فيه أعمال كل من بثينة شعلان، وسلوى رشاد، وعلياء الجريدي، ونهى ناجي، وهمت ريان، وياسمين حسين.
لوحات وفوتوغرافيا وأعمال مجسمة يضمها المعرض، وحصيلة ورشة عمل استمرت لعام، تضمنت قراءات ونقاشات لعدد من النصوص والكتب، من أبرزها "لغز عشتار" لفراس السواح، و"نساء يركضن مع الذئاب" للمحللة النفسية كلاريسا بينكولا، ويتناول النموذج الأوّل للمرأة الذي قام وتأسس على غريزتها الطبيعية وحدسها، وأطلقت عليه بينكولا "المرأة المتوحشة"، وتحدثت عن "المرأة الفقمة"، وهي "خليط غامض، مخلوق ينتمي إلي الطبيعة وقادر في نفس الوقت على أن يعيش بين البشر بأسلوب بارع"؛ من خلال عبارة بينكولا هذه، يمكن قراءة أعمال المعرض، حيث تمتزج الروح البرية للمرأة بتمثلاتها المجتمعية.
"بتوالي الأزمنة تراكمت وازدادت تكلسات من التجاهل وعدم الإدراك الحقيقي لطبيعتها، فغَرَّبتها عن بيئتها الطبيعية وفقدت الرؤية وجوهر قوتها وخصوصيتها، وبالتالي فقدت مصدر إبداعها وبَعُدت المسافة بينها وبين تلك الخصوصية، والتي كانت بمثابة أداة الفهم والتواصل مع ذاتها وطبيعتها وتاريخها. بينما كان المجتمع هو المساهم الأكبر في هذا التحول، والفقد، دعمته بعض التصورات الدينية والسياسية، مدفوعة بالنزعة الاستهلاكية التي أدخلت المرأة في قوالب، بسبب أنظمة التسليع والاستهلاك المهيمنة" تقول الفنانة سلوى رشاد القيِّمة على الورشة والمعرض.
وتضيف، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أن "ورشة العمل كانت أشبه بالبحث الأركيولوجي للمرأة في شكل صياغة فنية، لرصد موضع الألم الذي أصاب المرأة بشكل عام. والمرأة، أو الأنثى، التي نعنيها هنا هي تمثلات للأم الكبرى، هي الطبيعة، ومن ثم هي ممثلة للبشرية بأجمعها، هي الرجل والمرأة معاً".
من جانبها، تُشير الفنانة نهى ناجي إلى التشابه الواضح بين الأنثى والطبيعة الأم، فكلتاهما تمتلكان نفس الغريزة البرية الانتقائية والبذل للبقاء الجمعي والقدرة على الاتحاد بالعناصر الأولية وخلق تكوينات جديدة. وتضيف: "مر زمن ليس بالقليل نشأ فيه خلق جديد في بيئة مصنوعة وانقطعت صلاته بالبرية، فتراجع ارتباطهم بـ"الأم الكبرى" تدريجياً حتى حلت محلها المدينة الحاضنة وأفرخت أبناء الحاضنات المصمتة، أولئك الذين لم يعرفوا الصحارى الممتدة، ولا الغابات المظلمة، ولا البحار".
تعكس الأعمال المعروضة رحلة بحث عن روح "المرأة" الغائبة، تلك الخبيئة المطمورة تحت طبقات من التاريخ والأساطير، ووتيرة الحياة المتسارعة بصورة جنونية، على مدار هذه الرحلة لا يُقدم المعرض صورة مثالية للمرأة ولا إجابات نهائية ومطلقة، بقدر ما يدعو الزائرين إلى التفاعل والمشاركة وخوض رحلة موازية للبحث عن خبيئتهم.