برز خلال القرن الماضي عدّة نزعات تدعو إلى تجديد القصيدة العربية، رافقها تنظيرات حول مفهوم الشعرية وامتداداتها في التراث العربي أو قطيعتها عنه، وعلاقة الشعر بالنثر، وتحوّلات اللغة ودلالاتها داخل النص، وبالضرروة تناول مضامين الكتابة وعلاقتها بمفردات الحياة المعاصرة.
قدّم العديد من الشعراء والنقّاد اجتهاداتهم سواء حول التطوّر في الشكل الفني للقصيدة أو بنية الخطاب الأدبي، مثلما فعل أدونيس ومحمد بنيس وشربل داغر وصلاح فضل وغيرهم ممن سعوا إلى رصد جملة من التغيّرات طوال أكثر من مئة عام.
"حداثة الكتابة في الشعر العربي المعاصر" عنوان الطبعة المزيدة والمنقحة من كتاب الشاعر المغربي صلاح بوسريف (1958) الذي صدر مؤخراً عن "دار فضاءات للنشر والتوزيع" في عمّان، ويختبر خلاله مصطلحات ومفاهيم عديدة توسياقاتها المعرفية من خلال نماذج شعرية معاصرة.
في مدخل الطبعة الجديدة التي يحمل عنوان "الإقامة في الترحل"، يقول المؤلّف "في ما كَتَبْتُه في هذا العمل النَّظَرِيّ، في جوهره، راهنت على المستقبل، على الشعر في توسّعه، في اختراقاته، وفي ما كان يبدو لي أنّه أفق الشِّعر الذي لم تتنّبه إليه الحداثة ذَاتها، بل إنّها استقرَّت في المفاهيم، وصيغ البِناء القديمة، واعتقَدَ، من نظّروا لها، أنّ بياناتهم تَكفي ليكون الشّعر آتِياً من المجهول".
ويستدرك "لا شيءَ من هذا حدث، بل إنَّ الشّعرية العربيةَ المعاصرة، لم تخرج من هيمنة "القصيدة"، لا في مفهومها، ولا في بنيتها الأم التي استحكمت في شعريتها، وفي أساسها الجمالي، ولا في بناء النص، الذي بقي، فيها، في حدود الخطاب، أعني الشّفاهة التي تحدّرت من ماضي اللّسان العربي القديم، وبَقِيَت ثَاوية في ما اعتَقدنا أنَّه "زمن الشّعر"، أو زمن "الكتابة"، كما أوهمتنا البيانات الشعرية، التي بَدت في حينها ثورة في هذه الشعرية، فيما كانت، في صميمها، سجينة ماضٍ، لم يستطع الخُروج من الشفاهَة إلى الكتابة".
يتضمّن الكتاب قسمين، الأول من "القصيدة إلى الكتابة" فيه ثلاثة فصول، هي: القصيدة وإكراهاتها "مراجعة الأصول"، وفرضيات الانتقال، والبيانات الشعرية وأوليات المساءلة، والثاني "أساسيـات الكتابة" ويضمّ أربعة فصول، هي: الكتابة إيقاع مفتوح، والكتابة والوضع الأجناسي، ومن المعنى إلى الدلالة، والكتابة وإنتاجية القراءة.
أما الشعراء الذين تناولهم بوسريف في الدراسة، فهم قاسم حداد، ومحمد بنيس، وسليم بركات، وعبد المنعم رمضان.