كل كاتب يعرف، طال الزمن أم قصر، أن الكتابة تسحبه من الحياة. كل كاتب يعرف، قصر الزمن أم قصر أكثر، أن الحياة أولى بكل دقيقة من عمره المتبقي. فليس هذا بزمن: "راهب الكتابة" ولا حتى "نصف راهب". ومع وسائل التواصل الحديثة، صار الكل كُتّاباً، ولم تعد الرهبنة شائعة، لا في الأديرة ولا في غيرها.
والآن، كل كاتب يعرف أيضاً، أسرع الزمنُ أم تلكّأ، أنه سيصل يوماً ما، إلى "لحظة الحقيقة" بمعناها الحرفي. وحينها، سينظر لما أنجز بغير قليل من الحزن والشك.
وكل كاتب لديه نصف عقل، يعرف أن الكتابة ليست ضرباً من رياضة، إنما كسل طويل يودي للقبر. وعليه، فهي مادة خطرة قابلة للانفجار في أي وقت. كل كاتب يعرف ذلك، ومعظم الكُتّاب يصرّون على المسير وحيدين إلى مصائرهم، حتى آخر خطوة، سواء ركبوا حماراً أو حصاناً أو بواطنَ أقدامهم. والحقيقة، أنني واحد من هؤلاء الذين لا يستطيعون فتح الدائرة أو تحطيم الجدار. ومع ذلك، فإن عجبي من نفسي، لا ينقضي. ذلك أننا نتعامل مع مهنة لا سدرة منتهى فيها، نصلها فنرتاح؛ بل جلوس يومي إلى شاشة بيضاء أو ورقة، وكأننا، كل مرة، نجلس لأول مرة.
الخبرة في المهن الأخرى تنفع، ومع تناميها ونضجها يصبح صاحبها معلّماً ومرجعاً، إلا نحن، فنحن نحيا ونموت تلاميذ أبديين ومشاريع مفتوحة، في خضمّ عمل غير قابل للتحديد أو القياس أو إجماع القيمة. طوبى لهم طالبي الوهم من مهنة هي الالتباس بعينه!