لا يعتبر الخزف من الوسائط التي يسهل التعامل معها من قِبل الفنانين، إذ تبدو الحدود متقاربة لحدّ كبير بين الحرفة ببعدها التجاري وبين تقديم منتج إبداعي لا يمكن استنساخه، وربما تحضر هنا أعمال بابلو بيكاسو وهنري ماتيس وخوان ميرو، والتي عبّرت عن تجارب استثنائية.
عربياً، لا يبدو الاهتمام مماثلاً سواء في الأكاديميات الفنية أو بوجود تظاهرات متخصّصة، ولم تبرز سوى أسماء قليلة استطاعت أن تكرّس حضورها مثل الفنانيْن التونسي نجا المهداوي والجزائري رشيد قريشي اللذين لم تفترق خزفياتهما عن جوهر اشتغالهما على الحروفيات بشكل خاص.
تنطلق مساء السبت المقبل، الحادي والثلاثين من الشهر الجاري، فعاليات الدورة التأسيسية من "أيام قرطاج للخزف الفني" التي تتواصل حتى الثامن من الشهر المقبل، بتنظيم من وزارة الثقافة ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية.
يأتي الافتتاح بالتزامن مع الدورة التاسعة من "الملتقى الدولي للخزف"، ويقامان في المكان ذاته حيث يحتضنهما فضاء "سيدي قاسم الجليزي" في تونس العاصمة، ويديرهما الفنان والخزاف محمد حشيشة الذي أكد في تصريحات سابقة عن التكامل بين الأيام والملتقى، دون أن يقدّم مسوّغات لإقامة تظاهرتين متماثلتين تتوّجهان للمبدعين والجمهور أنفسهم.
يحمل مكان انعقاد التظاهرة اسم المتصوّف والخزاف التونسي أبي الفضل الجليزي الذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي، واشتهر بصناعة الجليز المطلي الذي يستعمل بكثرة في البيوت التونسية لتزيين حيطانها، ويعتبر أول من صنعها في البلاد.
يشارك في الدورة فنانون من عشرين بلداً، منها إسبانيا وإيطاليا والجزائر وتركيا، وتتناول سبعة محاور مركزية، يرتكز المحور الأول على المعارض والورشات الخزفية التي ستقدّم في مدينة الثقافة، وتتوزع بقية المحاور على مسابقات دولية ووطنية متعددة منها مسابقة الخزف البربري، ومسابقة الخزف التقليدي، إضافة إلى مسابقات الصناعات التقليدية من بينها مسابقة أحسن ملابس وأحسن مزوق وأحسن صانع قوالب.
تعقد أيضاً ندوات علمية فكرية حول تاريخ الخزف في تونس منذ العصر الفينيقي وازدهاره في العهد الحفصي، وستتوزّع الورشات ومعارض الحرفيين على مدن عدّة كسجنان وجربة قلالة ونابل والمكنين والبرامة ومكثر، كما سيتم إعادة افتتاح "متحف الخزف الفني" الذي أُغلق منذ حوالي عشر سنوات.