ثمة اشتباك واضح مع السياسة يظهر في الأعمال المسرحية التونسية التي عُرضت في السنوات الأخيرة، مع تنوّع أطروحاتها وأدوات تعبيرها، من "غيلان" (2012) لـ عز الدين قنون وصولاً إلى الأعمال التي تُعرض في المسارح التونسية هذه الأيام.
بداية من الغد، تنطلق عروض مسرحية "الرهوط" في "قاعة الفن الرابع" في تونس العاصمة، والتي لا تحيد عن الاهتمام بالسياسي، وهو ما يكشفه بالخصوص عنوانها الفرعي "تمارين في المواطنة".
في حديث إلى "العربي الجديد"، يشير مخرج العمل عماد المي إلى أن هذا العنوان يرتبط بشكل عضوي مع محتوى النص ومضمونه. يقول "تستمد المسرحية حضورها من شخصيات المواطنين الممثّلين، بصفاتهم وأجسادهم، حيث يعبّرون عن مواقفهم من مفاهيم ومسائل تعدّ كبرى ومتفقاً عليها ظاهرياً، لكن لا بدّ من تفكيكها ومراجعتها، مثل فكرة الحقوق والحريات والمواطنة والوطن وغيرها، التي عوضاً أن تساهم في ترسيخ ما هو إنساني في الإنسان جعلته كائناً مجرّداً من إنسانيته، وكأننا حيال كائن غارق في الصورة والوقع المبهر لهذه المفردات والمفاهيم".
يتابع "الحرية شيء جميل كمفردة وكمفهوم، ولكن ما الحرية؟ الوطن شيء جميل ولكن ما الوطن؟ حق الشعوب في تقرير مصيرها فكرة رائعة، لكن هل لها جدوى فعلاً في عالمنا اليوم؟ حق التنقّل هو حق لكلّ البشر، وهذا ضمن الإعلان العالمي لحقوق الانسان فهل أن عامّة البشر لهم حق التنقّل بالفعل؟ كثيرةٌ هي الأسئلة التي تجعلنا اليوم نرى أن الانسان الحالي تحوّل إلى مجرّد "رهط"، وتحوّلت المجتمعات إلى أشباح تأكل وتنام وتتغوّط".
من جانب آخر، يعتبر المي أن "الرهوط" عملٌ يندرج في صلب بحث دائم، فكريٍّ وفني وجمالي، عن فرجة مسرحية أكثر حرية وانفتاحاً وغير خاضعة لوحدة "الخرافة" المتعارف عليها والشخصيات المسرحية المبنية بناء محكماً والحوار المباشر بين الشخصيات والنسق الدرامي الدقيق والحبكة الكلاسيكية"، وهي رؤية تخدم تصوّر "الممثلين- المواطنون" الذي يقوم عليه العمل، ويحاول المخرج من وراءها تقديم "الأداء المسرحي كتدرّب على المواطنة".
تُمثّل "الرهوط" ثالث عرض في مسيرة المي كمخرج، حيث قدّم أوّل أعماله "قانون الجاذبية" في 2010 ثم أتبعه بـ "بارشمان" في 2014. يشارك في أداء العمل الجديد كل من: وليد بن عبد السلام، وعبد القادر بن سعيد، وعلي بن سعيد، وغسان الغضاب، ومنى التلمودي، وآمنة الكوكي.
تبدأ عروض "الرهوط" في وقت تشهد فيه الساحة المسرحية التونسية أكثر من سجال، بين دعوات وقْف العرض الكوريغرافي "ألهاكم التكاثر" لـ نجيب خلف الله بسبب كون عنوانه مقتبساً من آية قرآنية، والثانية حول عرض مسرحية "برج لوصيف" في الكويت واتهامها بالمسّ من الأخلاق كون بعض مشاهدها تقع في غرفة نوم.
يعلّق المخرج التونسي بالقول "بداية، أنا ضدّ وضع قيود ورقابة على الفن والإبداع لأي سبب كان. نردّ على كل الحملات المهددة للإبداع بالعمل ومزيد من الإبداع. لنا الفن لكي لا يميتنا الجهل والغباء. لنا الفن لكي لا تميتنا الحقيقة".