أكد رئيس الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، محمد العيد بن عمر، في حوار مع "العربي الجديد"، أن الجزائر تمتلك مؤهلات عديدة تجعلها تتخطى عقدة الاعتماد على قطاع المحروقات، وصولاً إلى التنويع الإنتاجي.
وهذا نص المقابلة:
وهذا نص المقابلة:
* تدخل الجزائر حالياً مرحلة هامة من تاريخها الاقتصادي، وهي مرحلة التنويع خارج قطاع المحروقات، فهل تمتلك الجزائر مقومات اقتصادية تمكنها من كسب هذا الرهان؟
بكل تأكيد، هناك من المقومات والطاقات والموارد ما يتيح لنا فرصة إعادة بناء اقتصادنا على أسس صحيحة وقابلة للتطور والنمو باستمرار. نحن مقبلون فعلاً على مرحلة جديدة تحتاج فيها الجزائر إلى سواعد كافة أبنائها. لأن تنويع النشاطات الاقتصادية يتطلب أساساً بناء وتدعيم القطاعات الصناعية التي من شأنها أن تواكب هذا التحول. لكن ذلك يتطلب جهوداً وتضحيات من طرف الجميع. كما يتعين علينا تقبل هذه الوضعية الجديدة ومسايرتها، بإعادة النظر في النماذج الاقتصادية المتبعة، وتحرير فعلي للمبادرة الخاصة.
لكن تبقى أولى الأولويات لدينا هي تطوير وتكثيف الإنتاج الزراعي؛ لأن التوجه الاستراتيجي الجوهري يرتكز أساساً على السعي نحو الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالأغذية عموما. الكل يعلم أن الجزائر تزخر بالطاقات والإمكانيات التي تؤهلها لكسب هذا التحدي، فملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية تنتظر مشاريع استصلاح وتخصيب، ليس فقط على مستوى الشمال والهضاب العليا، ولكن أيضاً على مستوى بعض المناطق الجنوبية المناسبة للزراعات الصحراوية.
* ولكن هذا لا يلغي هشاشة القطاعات الإنتاجية في البلاد، ألن يحتاج هذا التغيير الكثير من الوقت، وما هي الخطط الممكن اتباعها؟
هذا متوقف على عدة اعتبارات. أولاً، يجب كما قلت أن نسعى إلى بناء وتدعيم الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية، وكذا الصناعات الخفيفة والصناعات التحويلية، لأن البنى القاعدية إما أنها متوافرة، أو هي قابلة للتوافر على المدى القصير وبتكاليف معقولة. ثانياً يجب أن تعتمد هذه الصناعات على نسبة إدماج تفوق 50% للمواد الأولية والوسائل والطاقات المحلية. ثالثاً وأخيراً، يجب أن نختار في مرحلة أولى القطاعات ذات الأولوية التي يجب تدعيمها لكي تشكل في المستقبل القريب القاطرة التي تجر قطاعات أخرى.
اقرأ أيضا: سيناريوهات جزائر ما بعد النفط
*نسمع بشعار دعم الإنتاج الوطني وتشجيعه الذي حملته الحكومة الجزائرية منذ سنة 2014، هل تجدون أنتم كمستثمرين تطبيقاً له على أرض الواقع؟
العمل على تغيير العقليات عند الجزائري البسيط هو المنطلق. إذ عندما نوفر للمستهلك منتجاً ذا جودة بأسعار تنافسية ونضمن له الاستمرارية في الحصول على نفس النوعية في المنتج المحلي، سوف يغير من عاداته الشرائية، ويتبنى تدريجياً سلوكاً أكثر عقلانية. وأحسن دليل على ذلك التجربة الناجحة التي ميزت قطاع الصناعات الغذائية والمشروبات والعصائر، حيث أصبح المستهلك الجزائري يُقبل باقتناع على المنتجات المحلية، بل ويفضلها.
*مثلاً، المؤسسة الاقتصادية "مطاحن عمر بن عمر" التي تترأسها، هل يمكن أن تكون منافسة للمعجنات الأجنبية، خاصة تلك المستوردة من الاتحاد الأوروبي؟ وما مكانة منتجكم في السوق الدولية؟
مؤسسة "مطاحن عمر بن عمر" هي إحدى المؤسسات التي تصنع المعجنات بمختلف أنواعها، بما فيها الكسكس، وهي تابعة لمجمع "عمر بن عمر" الذي أترأسه بمعية إخوتي، والذي يعمل كذلك في إنتاج مصبَرات الطماطم والفواكه، وفي الإنتاج والتطوير الزراعي من خلال العديد من المشاتل، بالإضافة إلى الترقية العقارية، ونقل البضائع.
فيما يخص سؤالك، أولويتنا هي السوق الوطنية بأكملها، والاستجابة لكافة المتطلبات في القطاع الذي نعمل فيه، نحن نراهن بالأساس على الإنتاج الزراعي ثم على الصناعات الغذائية، ونعمل جاهدين على تجسيد استراتيجية الاكتفاء الذاتي، وبالتالي التوجه نحو استهلاك المنتج المحلي.
والجودة التي نوفرها تجعلنا مطمئنين على مكانتنا في السوق المحلية، حيث إن المؤشرات تبرز تراجع المنتجات المستوردة أمام اكتساح المنتجات المحلية. نحن نحتل الصدارة بنسبة تفوق 55% من السوق الوطنية في تسويق الطماطم المصبرة، ونعتبر أيضاً من أبرز المتعاملين في سوق المعجنات، وخاصة الكسكس. كما نسير قدماً نحو بناء صرح اقتصادي صلب ومتين لتكثيف النشاطات في الصناعات الغذائية.
اقرأ أيضا: أسعار النفط تقلق الجزائر
بالإضافة إلى السوق الوطنية، نحن نسعى إلى ترويج منتجاتنا خارج الوطن، حيث قمنا منذ سنوات بتصدير المصبرات إلى بعض البلدان المجاورة. كما نقوم منذ سنوات، وما نزال، بتصدير كميات معتبرة من العجائن والكسكس إلى أوروبا وأميركا وبعض بلدان الخليج. ولدينا ردود أفعال طيبة ومشجعة من ممثلينا في عدة دول تبشر بإمكانية ارتفاع متواصل للكميات المصدرة، بالنظر إلى استحسان نوعية منتجاتنا من طرف المستهلكين الذين أصبحوا الآن زبائن.
*ألا تشكل مرحلة التفكيك الجمركي التام للجزائر مع الاتحاد الأوروبي المقررة في 2020، خطراً على الإنتاج الوطني من حيث المنافسة الأجنبية؟
المنافسة الأجنبية بدأت منذ سنوات عديدة، وموعد 2020 أصبح قريباً جداً. ويتعين على المؤسسات الجزائرية أن تحضر نفسها من الآن لمواجهة منافسة قوية، بل وشرسة. بالفعل، فهذه المنافسة تشكل اليوم تهديداً لاستقرار الإنتاج المحلي قبل أن يدخل التفكيك الجمركي حيز التنفيذ. علماً أن هناك مشكل في عدم التوازن بين الإمكانات والمتاحات التي تتوفر عليها المؤسسات الأجنبية، والتي تنتمي في أغلبها إلى شركات ضخمة متعددة الجنسيات. بينما تبقى المؤسسات المحلية بحجم صغير جداً، وتحتاج بالتالي إلى تشكيل مجمعات على أساس شراكات استراتيجية تسمح بتجميع الطاقات وتوطيد شبكات التواصل مع السوق بشكل موحَد.
اقرأ أيضا: تجار الجزائر يهددون: لا لاستيراد المواد الغذائية
*ماذا عن سعي الجزائر للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، هل ترون أن هذا الإجراء يخدم توجه الحكومة نحو دعم وتشجيع الإنتاج الوطني؟
أرى هذا التوجه كأداة للتأقلم مع المعايير الدولية، وبالتالي التكيف مع متطلبات الجودة والتنافسية، وليس كتهديد للنسيج الصناعي والاقتصادي الوطني. فالمؤسسات الجزائرية تحتاج إلى الانخراط في إطار تحكمه ضوابط ومعايير عالمية، لكي تخوض غمار المنافسة محلياً، وتسعى إلى ولوج الأسواق الخارجية.
لهذه الأسباب، فإن توجه الحكومة من أجل الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة سوف يخدم على المدى المتوسط بناء نسيج صناعي واقتصادي وطني أكثر استعداداً للتأقلم مع الشروط التنافسية الجديدة، نحن واعون أن ذلك يمكن أن يخلق بعض الاضطراب في هيكلة السوق، ولكننا واثقون أيضاً من أن إمكانياتنا وطاقاتنا وتجاربنا وخبراتنا من شأنها أن تسمح بإعادة التوازن لصالح المنتج المحلي على المديين القريب أو المتوسط.
*قمت كرئيس للغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة بعدة لقاءات مع مسؤولين سياسيين واقتصاديين أجانب، سواء داخل الوطن أو خارجه، هل لمستم رغبة كافية من قبل هؤلاء في إقامة شراكات اقتصادية مع الجزائر؟ وما هي المجالات الاقتصادية التي تتصدر اهتمام الشركاء الأجانب في بلادنا؟
من الطبيعي أن تلفت التطورات الحاصلة في القطاعات الصناعية والتجارية اهتمام المستثمرين الأجانب، سواء بشكل مباشر أو عن طريق الهيئات التمثيلية. هؤلاء المستثمرون لمسوا أهمية الدور الذي تلعبه الغرفة الوطنية للتجارة والصناعة وكذا الغرف المحلية، باعتبارها مصدراً أساسياً للمعلومات، وكذلك باعتبارها وسيطاً مهماً لتسهيل وسائل الاتصال والتبادل بين المتعاملين الجزائريين وشركائهم الأجانب.
هذا ما لمسناه من لقاءاتنا المتعددة مع المتعاملين الأجانب من أوروبا، وكذلك من بعض بلدان الخليج الذين أبدوا اهتمامهم بالاستثمار في مجالات مختلفة، أبرزها الصناعات الغذائية والصناعات التحويلية والسياحة والبناء والأشغال العمومية والنقل البحري، وأيضا الصناعات الدوائية، والمتعاملون المحليون الذين شاركونا في هذه اللقاءات مستعدون لتجسيد هذه الشراكات في القريب العاجل.
اقرأ أيضا: الجزائر: 1.5 تريليون دولار على خطط زادت الفقر
*خارج قطاع المحروقات، ما هي قيمة المبادلات التجارية الجزائرية مع الخارج؟ وهل تشهد تحسناً لصالح الميزان التجاري الوطني؟
في كل الأحوال لا يزال مستوى المبادلات التجارية خارج المحروقات ضعيفاً ومتواضعاً، ومردّ ذلك نقص تجربة الجزائريين في التعامل مع مختلف الوسطاء المتدخلين في عمليات التصدير والاستيراد.
لقد قمنا أخيراً بإنشاء تجمع منتجي ومصدري التمور، واكتشفنا من خلال عروض قمنا بها في بعض المعارض الدولية أن هناك طلباً كبيراً جداً، ليس فقط على نوع "دجلة نور" الذي يعتبر من أجود الأنواع في العالم، ولكن أيضاً على العشرات من أنواع التمور التي لم نكن نعير لها اهتماماً حتى في السوق الداخلية. فالتجمع سيسمح لكافة المنتجين بالاستفادة من خدمات جليلة ومن تسهيلات معتبرة تمكنهم من إيصال منتجاتهم إلى الأسواق المناسبة في أحسن الظروف وبأقل تكاليف. إذ إن الطلب موجود والكميات المطلوبة متوافرة، فلا ينقصنا سوى مرافقة هؤلاء المنتجين والمصدرين في الدخول إلى الأسواق الدولية.
* هل ترون أن قرار وزير التجارة، عمارة بن يونس، تنظيم سوق الاستيراد والتصدير، وتقييده بتراخيص خاصة تمنحها الوزارة للمستوردين، يخدم الاقتصاد الوطني؟
إن قرار تنظيم سوق الاستيراد والتصدير سيعود بمنافعه على الاقتصاد والمنتج المحلي من دون أدنى شك، إذ إن المستجدات الاقتصادية والمالية تفرض على أي اقتصاد مهما كانت هيكلته وتوازناته، أن يضع مجموعة من الضوابط التي من شأنها أن تحافظ على هذه التوازنات.
حتى الاقتصاديات الأكثر ليبرالية والأكثر تطوراً في العالم تنتهج اليوم إجراءات وقائية لأسواقها المحلية، وتضع حواجز جمركية وتنظيمية لضمان توازن السوق بما يخدم المنتجات الوطنية.
مستقبل الجزائر رهن السياسات الاقتصادية
يشدد رئيس الغرفة التجارية والصناعية في الجزائر محمد العيد بن عمر، على أن مستقبل الاقتصاد الوطني مرتبط بالسياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة. ويشرح لـ "العربي الجديد" أنه "لا يسعنا إلّا أن نتمنى المستقبل زاهراً ومستقراً ومتوازناً، فجسور التشاور التي فتحتها الحكومة في الآونة الأخيرة سمحت ببروز رؤى واقتراحات وبدائل حلول نعتبرها بمثابة الطريق الصحيح نحو بناء استراتيجية اقتصادية وصناعية وطنية نابعة عن كل الأعضاء الفاعلين في الاقتصاد".
ويلفت إلى أهمية إشراك كافة المعنيين بالملف الإنتاجي في البلاد في عملية التشاور الوطني سواء في الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة أو على مستوى منتدى رؤساء المؤسسات أو الهيئات والمنظمات الأخرى التي تساهم بشكل أو بآخر في رسم معالم المستقبل الاقتصادي للوطن. وتمر الجزائر في مرحلة اقتصادية دقيقة جداً، وذلك بسبب اعتمادها بشكل شبه مطلق على الإيرادات النفطية، في حين شهدت أسواق البترول تدهوراً كبيراً في الأسعار، ما أثر سلباً على موازنة البلاد، من حيث تراجع الإيرادات المالية. ومن هذا المنطلق، تسعى الجزائر إلى السير في سياسة اقتصادية مختلفة تقوم على تنويع الاقتصاد ودعم القطاعات الإنتاجية الأساسية في البلاد، للخروج من الأزمة الحالية، وضمان عدم تكرارها في المستقبل.
بطاقة
يشغل محمد العيد بن عمر، منصب رئاسة الغرفة التجارية والصناعية والزراعية في الجزائر منذ العام الماضي، ويستمر في منصبه حتى عام 2018، وهو المدير العام لمجمع عمر بن عمر لصناعة المعجنات والمصبرات، كما أنه اشترى 60% من مؤسسة "رياض قورصو للعجائن وإنتاج الخبز الصناعي" بالشراكة مع مستثمرين فرنسيين
بكل تأكيد، هناك من المقومات والطاقات والموارد ما يتيح لنا فرصة إعادة بناء اقتصادنا على أسس صحيحة وقابلة للتطور والنمو باستمرار. نحن مقبلون فعلاً على مرحلة جديدة تحتاج فيها الجزائر إلى سواعد كافة أبنائها. لأن تنويع النشاطات الاقتصادية يتطلب أساساً بناء وتدعيم القطاعات الصناعية التي من شأنها أن تواكب هذا التحول. لكن ذلك يتطلب جهوداً وتضحيات من طرف الجميع. كما يتعين علينا تقبل هذه الوضعية الجديدة ومسايرتها، بإعادة النظر في النماذج الاقتصادية المتبعة، وتحرير فعلي للمبادرة الخاصة.
لكن تبقى أولى الأولويات لدينا هي تطوير وتكثيف الإنتاج الزراعي؛ لأن التوجه الاستراتيجي الجوهري يرتكز أساساً على السعي نحو الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالأغذية عموما. الكل يعلم أن الجزائر تزخر بالطاقات والإمكانيات التي تؤهلها لكسب هذا التحدي، فملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية تنتظر مشاريع استصلاح وتخصيب، ليس فقط على مستوى الشمال والهضاب العليا، ولكن أيضاً على مستوى بعض المناطق الجنوبية المناسبة للزراعات الصحراوية.
* ولكن هذا لا يلغي هشاشة القطاعات الإنتاجية في البلاد، ألن يحتاج هذا التغيير الكثير من الوقت، وما هي الخطط الممكن اتباعها؟
هذا متوقف على عدة اعتبارات. أولاً، يجب كما قلت أن نسعى إلى بناء وتدعيم الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية، وكذا الصناعات الخفيفة والصناعات التحويلية، لأن البنى القاعدية إما أنها متوافرة، أو هي قابلة للتوافر على المدى القصير وبتكاليف معقولة. ثانياً يجب أن تعتمد هذه الصناعات على نسبة إدماج تفوق 50% للمواد الأولية والوسائل والطاقات المحلية. ثالثاً وأخيراً، يجب أن نختار في مرحلة أولى القطاعات ذات الأولوية التي يجب تدعيمها لكي تشكل في المستقبل القريب القاطرة التي تجر قطاعات أخرى.
اقرأ أيضا: سيناريوهات جزائر ما بعد النفط
*نسمع بشعار دعم الإنتاج الوطني وتشجيعه الذي حملته الحكومة الجزائرية منذ سنة 2014، هل تجدون أنتم كمستثمرين تطبيقاً له على أرض الواقع؟
العمل على تغيير العقليات عند الجزائري البسيط هو المنطلق. إذ عندما نوفر للمستهلك منتجاً ذا جودة بأسعار تنافسية ونضمن له الاستمرارية في الحصول على نفس النوعية في المنتج المحلي، سوف يغير من عاداته الشرائية، ويتبنى تدريجياً سلوكاً أكثر عقلانية. وأحسن دليل على ذلك التجربة الناجحة التي ميزت قطاع الصناعات الغذائية والمشروبات والعصائر، حيث أصبح المستهلك الجزائري يُقبل باقتناع على المنتجات المحلية، بل ويفضلها.
*مثلاً، المؤسسة الاقتصادية "مطاحن عمر بن عمر" التي تترأسها، هل يمكن أن تكون منافسة للمعجنات الأجنبية، خاصة تلك المستوردة من الاتحاد الأوروبي؟ وما مكانة منتجكم في السوق الدولية؟
مؤسسة "مطاحن عمر بن عمر" هي إحدى المؤسسات التي تصنع المعجنات بمختلف أنواعها، بما فيها الكسكس، وهي تابعة لمجمع "عمر بن عمر" الذي أترأسه بمعية إخوتي، والذي يعمل كذلك في إنتاج مصبَرات الطماطم والفواكه، وفي الإنتاج والتطوير الزراعي من خلال العديد من المشاتل، بالإضافة إلى الترقية العقارية، ونقل البضائع.
فيما يخص سؤالك، أولويتنا هي السوق الوطنية بأكملها، والاستجابة لكافة المتطلبات في القطاع الذي نعمل فيه، نحن نراهن بالأساس على الإنتاج الزراعي ثم على الصناعات الغذائية، ونعمل جاهدين على تجسيد استراتيجية الاكتفاء الذاتي، وبالتالي التوجه نحو استهلاك المنتج المحلي.
والجودة التي نوفرها تجعلنا مطمئنين على مكانتنا في السوق المحلية، حيث إن المؤشرات تبرز تراجع المنتجات المستوردة أمام اكتساح المنتجات المحلية. نحن نحتل الصدارة بنسبة تفوق 55% من السوق الوطنية في تسويق الطماطم المصبرة، ونعتبر أيضاً من أبرز المتعاملين في سوق المعجنات، وخاصة الكسكس. كما نسير قدماً نحو بناء صرح اقتصادي صلب ومتين لتكثيف النشاطات في الصناعات الغذائية.
اقرأ أيضا: أسعار النفط تقلق الجزائر
بالإضافة إلى السوق الوطنية، نحن نسعى إلى ترويج منتجاتنا خارج الوطن، حيث قمنا منذ سنوات بتصدير المصبرات إلى بعض البلدان المجاورة. كما نقوم منذ سنوات، وما نزال، بتصدير كميات معتبرة من العجائن والكسكس إلى أوروبا وأميركا وبعض بلدان الخليج. ولدينا ردود أفعال طيبة ومشجعة من ممثلينا في عدة دول تبشر بإمكانية ارتفاع متواصل للكميات المصدرة، بالنظر إلى استحسان نوعية منتجاتنا من طرف المستهلكين الذين أصبحوا الآن زبائن.
*ألا تشكل مرحلة التفكيك الجمركي التام للجزائر مع الاتحاد الأوروبي المقررة في 2020، خطراً على الإنتاج الوطني من حيث المنافسة الأجنبية؟
المنافسة الأجنبية بدأت منذ سنوات عديدة، وموعد 2020 أصبح قريباً جداً. ويتعين على المؤسسات الجزائرية أن تحضر نفسها من الآن لمواجهة منافسة قوية، بل وشرسة. بالفعل، فهذه المنافسة تشكل اليوم تهديداً لاستقرار الإنتاج المحلي قبل أن يدخل التفكيك الجمركي حيز التنفيذ. علماً أن هناك مشكل في عدم التوازن بين الإمكانات والمتاحات التي تتوفر عليها المؤسسات الأجنبية، والتي تنتمي في أغلبها إلى شركات ضخمة متعددة الجنسيات. بينما تبقى المؤسسات المحلية بحجم صغير جداً، وتحتاج بالتالي إلى تشكيل مجمعات على أساس شراكات استراتيجية تسمح بتجميع الطاقات وتوطيد شبكات التواصل مع السوق بشكل موحَد.
اقرأ أيضا: تجار الجزائر يهددون: لا لاستيراد المواد الغذائية
*ماذا عن سعي الجزائر للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، هل ترون أن هذا الإجراء يخدم توجه الحكومة نحو دعم وتشجيع الإنتاج الوطني؟
أرى هذا التوجه كأداة للتأقلم مع المعايير الدولية، وبالتالي التكيف مع متطلبات الجودة والتنافسية، وليس كتهديد للنسيج الصناعي والاقتصادي الوطني. فالمؤسسات الجزائرية تحتاج إلى الانخراط في إطار تحكمه ضوابط ومعايير عالمية، لكي تخوض غمار المنافسة محلياً، وتسعى إلى ولوج الأسواق الخارجية.
لهذه الأسباب، فإن توجه الحكومة من أجل الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة سوف يخدم على المدى المتوسط بناء نسيج صناعي واقتصادي وطني أكثر استعداداً للتأقلم مع الشروط التنافسية الجديدة، نحن واعون أن ذلك يمكن أن يخلق بعض الاضطراب في هيكلة السوق، ولكننا واثقون أيضاً من أن إمكانياتنا وطاقاتنا وتجاربنا وخبراتنا من شأنها أن تسمح بإعادة التوازن لصالح المنتج المحلي على المديين القريب أو المتوسط.
*قمت كرئيس للغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة بعدة لقاءات مع مسؤولين سياسيين واقتصاديين أجانب، سواء داخل الوطن أو خارجه، هل لمستم رغبة كافية من قبل هؤلاء في إقامة شراكات اقتصادية مع الجزائر؟ وما هي المجالات الاقتصادية التي تتصدر اهتمام الشركاء الأجانب في بلادنا؟
من الطبيعي أن تلفت التطورات الحاصلة في القطاعات الصناعية والتجارية اهتمام المستثمرين الأجانب، سواء بشكل مباشر أو عن طريق الهيئات التمثيلية. هؤلاء المستثمرون لمسوا أهمية الدور الذي تلعبه الغرفة الوطنية للتجارة والصناعة وكذا الغرف المحلية، باعتبارها مصدراً أساسياً للمعلومات، وكذلك باعتبارها وسيطاً مهماً لتسهيل وسائل الاتصال والتبادل بين المتعاملين الجزائريين وشركائهم الأجانب.
هذا ما لمسناه من لقاءاتنا المتعددة مع المتعاملين الأجانب من أوروبا، وكذلك من بعض بلدان الخليج الذين أبدوا اهتمامهم بالاستثمار في مجالات مختلفة، أبرزها الصناعات الغذائية والصناعات التحويلية والسياحة والبناء والأشغال العمومية والنقل البحري، وأيضا الصناعات الدوائية، والمتعاملون المحليون الذين شاركونا في هذه اللقاءات مستعدون لتجسيد هذه الشراكات في القريب العاجل.
اقرأ أيضا: الجزائر: 1.5 تريليون دولار على خطط زادت الفقر
*خارج قطاع المحروقات، ما هي قيمة المبادلات التجارية الجزائرية مع الخارج؟ وهل تشهد تحسناً لصالح الميزان التجاري الوطني؟
في كل الأحوال لا يزال مستوى المبادلات التجارية خارج المحروقات ضعيفاً ومتواضعاً، ومردّ ذلك نقص تجربة الجزائريين في التعامل مع مختلف الوسطاء المتدخلين في عمليات التصدير والاستيراد.
لقد قمنا أخيراً بإنشاء تجمع منتجي ومصدري التمور، واكتشفنا من خلال عروض قمنا بها في بعض المعارض الدولية أن هناك طلباً كبيراً جداً، ليس فقط على نوع "دجلة نور" الذي يعتبر من أجود الأنواع في العالم، ولكن أيضاً على العشرات من أنواع التمور التي لم نكن نعير لها اهتماماً حتى في السوق الداخلية. فالتجمع سيسمح لكافة المنتجين بالاستفادة من خدمات جليلة ومن تسهيلات معتبرة تمكنهم من إيصال منتجاتهم إلى الأسواق المناسبة في أحسن الظروف وبأقل تكاليف. إذ إن الطلب موجود والكميات المطلوبة متوافرة، فلا ينقصنا سوى مرافقة هؤلاء المنتجين والمصدرين في الدخول إلى الأسواق الدولية.
* هل ترون أن قرار وزير التجارة، عمارة بن يونس، تنظيم سوق الاستيراد والتصدير، وتقييده بتراخيص خاصة تمنحها الوزارة للمستوردين، يخدم الاقتصاد الوطني؟
إن قرار تنظيم سوق الاستيراد والتصدير سيعود بمنافعه على الاقتصاد والمنتج المحلي من دون أدنى شك، إذ إن المستجدات الاقتصادية والمالية تفرض على أي اقتصاد مهما كانت هيكلته وتوازناته، أن يضع مجموعة من الضوابط التي من شأنها أن تحافظ على هذه التوازنات.
حتى الاقتصاديات الأكثر ليبرالية والأكثر تطوراً في العالم تنتهج اليوم إجراءات وقائية لأسواقها المحلية، وتضع حواجز جمركية وتنظيمية لضمان توازن السوق بما يخدم المنتجات الوطنية.
مستقبل الجزائر رهن السياسات الاقتصادية
يشدد رئيس الغرفة التجارية والصناعية في الجزائر محمد العيد بن عمر، على أن مستقبل الاقتصاد الوطني مرتبط بالسياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة. ويشرح لـ "العربي الجديد" أنه "لا يسعنا إلّا أن نتمنى المستقبل زاهراً ومستقراً ومتوازناً، فجسور التشاور التي فتحتها الحكومة في الآونة الأخيرة سمحت ببروز رؤى واقتراحات وبدائل حلول نعتبرها بمثابة الطريق الصحيح نحو بناء استراتيجية اقتصادية وصناعية وطنية نابعة عن كل الأعضاء الفاعلين في الاقتصاد".
ويلفت إلى أهمية إشراك كافة المعنيين بالملف الإنتاجي في البلاد في عملية التشاور الوطني سواء في الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة أو على مستوى منتدى رؤساء المؤسسات أو الهيئات والمنظمات الأخرى التي تساهم بشكل أو بآخر في رسم معالم المستقبل الاقتصادي للوطن. وتمر الجزائر في مرحلة اقتصادية دقيقة جداً، وذلك بسبب اعتمادها بشكل شبه مطلق على الإيرادات النفطية، في حين شهدت أسواق البترول تدهوراً كبيراً في الأسعار، ما أثر سلباً على موازنة البلاد، من حيث تراجع الإيرادات المالية. ومن هذا المنطلق، تسعى الجزائر إلى السير في سياسة اقتصادية مختلفة تقوم على تنويع الاقتصاد ودعم القطاعات الإنتاجية الأساسية في البلاد، للخروج من الأزمة الحالية، وضمان عدم تكرارها في المستقبل.
بطاقة
يشغل محمد العيد بن عمر، منصب رئاسة الغرفة التجارية والصناعية والزراعية في الجزائر منذ العام الماضي، ويستمر في منصبه حتى عام 2018، وهو المدير العام لمجمع عمر بن عمر لصناعة المعجنات والمصبرات، كما أنه اشترى 60% من مؤسسة "رياض قورصو للعجائن وإنتاج الخبز الصناعي" بالشراكة مع مستثمرين فرنسيين