"إذا كان المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية مُصاباً بمرضٍ يهدد بذاته أو بسبب التنفيذ حياته بالخطر، جاز تأجيل تنفيذ العقوبة"، هذا نص المادة 486 من قانون الإجراءات الجنائية المصري، الذي لا يتم تطبيقه على مئات المرضى والمسنين في السجون المصرية.
فعلى سبيل المثال يواجه السياسي المصري البارز عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب "مصر القوية" والمرشح الرئاسي السابق، والبالغ من العمر ثمانية وستين عامًا، منذ اعتقاله في 14 فبراير/ شباط 2018، انتهاكات عديدة في سجنه رغم مرضه. فهو يعاني من عدة أمراض تزداد سوءا مع الظروف المتدنية داخل السجن، بالإضافة إلى التعنت من قبل إدارة السجن في تقديم الرعاية الطبية أو نقله إلى مستشفى خارج السجن.
وبسبب وضعه الصحي، تقدمت هيئة الدفاع عن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، في 27 يونيو/حزيران 2019، ببلاغ إلى النائب العام تحت رقم 8840 لسنة 2019 عرائض النائب العام، للمطالبة بالتدخل العاجل لإنقاذه من الإهمال الطبي المتعمد داخل محبسه بسجن المزرعة بطرة، بما يخالف كلاً من قانون تنظيم السجون ولائحته.
ويعاني عبد الفتوح أيضا من تضخم البروستاتا، وكان قد تقرر إجراء عملية جراحية له قبل القبض عليه في فبراير/ شباط 2018، وهو ما لم يحدث، ومع الإهمال الطبي ازداد تضخم البروستاتا بشكل كبير، ما أدى إلى احتقان شديد وتأثيرات سلبية على الكلى والمثانة، وصعوبة أثناء التبول. كذلك يعاني من مرض سكر الدم، والذي يؤدّي إلى نوبات من الارتفاع أو الهبوط المفاجئ، وأثناء احتجازه يصعب ضبط مستوى السكر المثالي لعدم توفر الغذاء الصحي داخل السجن.
وبجانب حرمانه من العلاج، فهو محروم أيضاً من حقوقه كمحبوس احتياطي، مثل حق التريض في الهواء والشمس وفقاً للائحة السجون، ما أدى إلى إصابته بانزلاق غضروفي داخل محبسه، وتم الكشف عليه من خلال طبيب السجن، الذي أوصى بجلسات علاج طبيعي منتظمة، لكنه لم يتمكن من الحصول عليها بسبب منعه من استخدام غرفة العلاج الطبيعي الموجودة داخل السجن.
وعقب القبض عليه، في فبراير/ شباط 2018، وجهت إليه النيابة العامة اتهامات بنشر أخبار كاذبة، وقيادة جماعة إرهابية وتولي تمويل هذه الجماعة، وذلك على ذمة القضية رقم 440 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا.
وفي مطلع فبراير/ شباط 2020، كشفت هيئة الدفاع عن عبد المنعم أبو الفتوح عن البدء بالتحقيق معه على ذمة قضية جديدة، بعد عامين من حبسه احتياطي، حملت رقم 1781 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، بتهمة بقيادة جماعة إرهابية وتمويل الإرهاب، ونشر أخبار كاذبة.
هناك أيضًا المرشد السابق العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع (76 عاما)، الذي يتعرض لعمليات التنكيل المستمرة في محبسه الانفرادي بسجن مزرعة طرة، المجرد من شتى وسائل الحياة، فضلاً عن منع الزيارة عنه لمدة أربع سنوات متواصلة، إضافة إلى منعه من مقابلة محاميه.
يعاني بديع من تآكل في الغضاريف وكسر قديم في العمود الفقري، ولا يستطيع الجلوس على الأرض ولا النهوض منها إلا بالاستناد إلى هذا الكرسي. ولا يستطيع السجود أو حتى الركوع فكان يصلي على كرسي قبل أن يسحبه السجانون.
وكذلك المعتقل جهاد الحداد (39 عامًا)، ابن القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، عصام الحداد، المعتقل في سجن العقرب شديد الحراسة، المعروف بـ"غوانتنامو مصر"، والمعتقل على ذمة قضية دبرت له بينما كان مسجونًا على ذمة قضيتي التخابر مع قطر وغرفة عمليات رابعة.
وكان قد أصيب بقطع في الغضروف الهلامي الأمامي للركبة، داخل محبسه بسجن طرة شديد الحراسة، المعروف إعلاميًا بـ"سجن العقرب"، ما أفقده القدرة على الوقوف أو الحركة؛ لشدة الآلام التي يتعرض لها وعدم إمكانية تناول المسكنات لارتفاع إنزيمات الكبد منذ ما يقرب من عام. ويحتاج الحداد إلى تدخل جراحي عاجل لإصلاح الغضروف المقطوع بالمنظار في ركبته؛ ليستطيع الوقوف والمشي مرة أخرى.
وكانت قوات الأمن المصرية قد ألقت القبض على جهاد الحداد في سبتمبر/ أيلول 2013، وأدرجت اسمه في أكبر قضيتين يحاكم فيها قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وهما قضيتا التخابر مع قطر وغرفة عمليات رابعة.
هؤلاء وغيرهم المئات من المعتقلين من كبار السن وذوي الأمراض المزمنة وأيضاً الشباب الذين مرضوا داخل السجون يواجهون شبح الإصابة بفيروس كورونا الجديد "كوفيد 19"، إلى جانب مواجهتهم شبح الإهمال الطبي المتعمد الذي أودى بحياة مئات المعتقلين من قبلهم.
وتوفي 449 سجينًا في أماكن الاحتجاز خلال الفترة ما بين يونيو/ حزيران 2014 وحتى نهاية 2018، وقد ارتفع هذا العدد ليصل 917 سجينًا (في الفترة بين يونيو/ حزيران 2013 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2019) بزيادة مفرطة خلال عام 2019، بحسب آخر تحديث حقوقي، بينهم 677 نتيجة الإهمال الطبي، و136 نتيجة التعذيب، حسب أرقام صادرة عن منظمات حقوقية مصرية ودولية.
ويبلغ عدد السجون في مصر 68 سجنًا، أُنشِئ 26 منها بعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة. وعلاوة على هذه السجون، هناك 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافةً إلى السجون السرية في المعسكرات، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.