وجاء قرار البشير خلال كلمة له أمام حشد شعبي في مدينة كسلا (شرق البلاد)، أكد فيها على أزلية العلاقة بين السودان وإرتيريا، منوهاً إلى أن الشعبين "تجمعهما الأخوة ورباط الدم والتاريخ والجغرافيا"، قبل أن يتقدم بشكره للحكومة الإرتيرية وكل دول الجوار.
وكانت الحكومة السودانية قد عزت قرارها، في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، الخاص بإغلاق الحدود مع إرتيريا، وإعلان حالة الطوارئ في ولاية كسلا الحدودية، إلى الرغبة في جمع السلاح من أيدي المدنيين، ومحاربة التهريب والمخدرات والجريمة العابرة.
في الوقت ذاته، تحدثت تقارير صحافية حينها عن شكوك سودانية بوجود حشود عسكرية في قاعدة "ساوا" الإرتيرية، تستهدف تنفيذ عمليات عسكرية داخل العمق السوداني، بدعم من مصر والإمارات، ما دفع الخرطوم، على ما يبدو، إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى ولاية كسلا.
ومنذ استقلال إرتيريا عن إثيوبيا في عام 1993، مرّت العلاقة بين الخرطوم وأسمرا بقليل من شهر العسل، نتيجة دعم الخرطوم للثوار الإرتيريين، لكنها سرعان ما تعرضت إلى هزات كبيرة ومتعددة، لا سيما في منتصف تسعينيات القرن الماضي، حينما استضافت أسمرا "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يُعد أكبر تحالف سياسي وعسكري من نوعه، والذي نفّذ عمليات عسكرية ضد حكومة الرئيس عمر البشير، فيما استضافت الخرطوم في المقابل مجموعات إرتيرية معارضة.
غير أنه مع بداية الألفية الجديدة، بدأ التحسن التدريجي في العلاقات بين الجانبين، وتبادل الرئيسان البشير وأسياسي أفورقي الزيارات، كما دعمت إرتيريا عملية السلام في السودان، خاصة المفاوضات بين الخرطوم وفصيل "مؤتمر البجا" المسلح، والذي كان ينشط عسكرياً شرق السودان.
وقبل قرار إغلاق الحدود من الجانب السوداني، ظلت العلاقة في حالة جمود، حوّلها لاحقاً القرار إلى توتر صريح. وردت أسمرا على اتهامات الخرطوم، باتهامات مقابلة، ذكرتها وزارة الإعلام الإرتيرية، في مارس/آذار الماضي، عبر بيان قالت فيه إن السودان عمل على إيواء وتدريب معارضين لإرتيريا في معسكرات خاصة، لتنفيذ أعمال سياسية وعسكرية ضدها، وحددت الوزارة بالاسم المعارض الإرتيري محمد جمعة، ذا المرجعيات المتطرفة، حسب ما جاء في البيان.
يذكر أنه في خضمّ ذلك الجمود، حدث التغيير المفصلي في جارة البلدين، إثيوبيا، بتولي أبي أحمد، دفة القيادة، والذي قاد مصالحات تاريخية بين بلدان القرن الإفريقي، بدأها بإعادة علاقة بلاده مع إرتيريا، والتوسط في الوقت ذاته بين الأخيرة وجيبوتي، وبينها وبين الصومال، في وقت لم يتوسط فيه حتى الآن بين السودان وإرتيريا.
وبحسب خبراء في شأن منطقة القرن الأفريقي، فإن السودان يحاول بخطوة فتح الحدود مع إرتيريا اللحاق بموجة المصالحات في المنطقة، خاصة أنه شعر بشيء من العزلة.
وليس بعيداً عن ذلك، فإن قرار البشير، الذي أعلنه من كسلا الحدودية، يرتبط بمصالح سكان الولاية التي تأثرت كثيراً بقرار إغلاق الحدود، حيث تعتمد الولاية بشكل كبير على حركة التبادل التجاري بين البلدين، خاصة المناطق الريفية. وبقراره هذا، يحاول البشير كسب المزيد من الشعبية، وعدم خسارتها، في ظل حراك شعبي في البلاد يطالب بتنحّيه.
عامل ثالث ربما دفع الرئيس عمر البشير إلى اتخاذ قراره، متعلق بالروابط الاجتماعية على الحدود بين السودان وإرتيريا، حيث كان قد حدّ قرار العام الماضي من الزيارات الأسرية بين الجانبين، ما دفع الأهالي إلى المطالبة بفتح الحدود أكثر من مرة.
وبالرغم من كل تلك العوامل والآمال المعلقة على القرار، يستبعد بعض الخبراء استجابة وتفاعل إرتيريا مع محاولات كسب الود من جانب الحكومة السودانية، ويعزون ذلك إلى الانفتاح الذي وجدته أسمرا، خلال العام الماضي، سواء مع أديس أبابا أو مع دول الخليج، مشيرين إلى أن قرار إغلاق الحدود كان يشكل في السابق قلقاً للحكومة الإرتيرية، لما توفره الحدود من الاحتياجات الغذائية للشعب الإرتيري، لكن مع فتح حدود البلاد مع إثيوبيا، وانفتاح موانئها مع الخليج العربي، لم تعد الحدود مع السودان بذات الأهمية التي كانت عليها قبل سنوات.