وبدأت قوات حفتر أمس الاشتباك مع مقاتلي "مجلس شورى درنة"، الرافض لسيطرته، في وقت ظهر فيه حفتر وسط ضباطه في ضاحية شرق بنغازي، يستعرض أرتالا من قواته معلنا "بدء ساعة الصفر" للسيطرة على المدينة، مؤكدا "فشل المساعي السلمية بوساطة العقلاء لتجنيب المدينة ويلات الحرب".
التصعيد العسكري الذي رافق حديثا عن فشل مساعي تعديل الاتفاق السياسي، وربما عودة حالة الانسداد في المشهد مجددا، قابله انقسام في آراء أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وصمت مريب يخيم على موقف رئيسه فائز السراج.
وأكد عضو المجلس الرئاسي، محمد العماري في بيان رسمي ليل الاثنين، إدانته الشديدة للتصعيد العسكري حول درنة، معبرا عن مخاوفه من إمكانية تعرض المدنيين بالمدينة لأضرار الحرب، مشددا على ضرورة أن يعلن المجلس الرئاسي الذي يمتلك صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفق الاتفاق السياسي، عن موقفه من هذه "الحرب التي تستهدف المدينة وتعرض المدنيين فيها للخطر".
كما أعرب العماري عن استغرابه من موقف البعثة الأممية والمجتمع الدولي تجاه ما يجري في المدينة، معتبرا أن "هذا التصعيد يهدف إلى تعميق للأزمة في البلاد، وإصرار على الحل العسكري وسفك مزيد من دماء الليبيين ونسف لكل جهود المصالحة والحوار"، على حد قوله.
في مقابل ذلك، تناقلت وسائل إعلام محلية موالية لحفتر أخبار وصول عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فتحي المجبري، رفقة عدد من وزراء حكومة الوفاق إلى منطقة الرجمة جنوب المرج، المقر العسكري لحفتر لتقديم التهنئة له بسلامة الوصول إلى البلاد.
وبحسب تلك الأنباء، فإن المجبري وصل السبت الماضي إلى الرجمة رفقة وزير العدل، محمد البرعصي، ووزير الاقتصاد، ناصر الدرسي، ووكيل وزارة التخطيط، مصباح المغربي، ورئيس مجلس إدارة محفظة ليبيا أفريقيا، محمد عطية العبيدي، بحيث استقبلوا من قبل حفتر بشكل رسمي لتقديم التهنئة له بالعودة من الرحلة العلاجية.
واللافت في زيارة المجبري ومسؤولي حكومة الوفاق هو اهتمام وسائل الإعلام الرسمية التابعة لحكومة الوفاق بشكل متأخر بها وفي توقيت مريب؛ فبعد دقائق من انتهاء خطاب حفتر العسكري مساء أمس الاثنين، نشرت صفحة إدارة التواصل والإعلام التابعة لحكومة الوفاق، خبر زيارة المجبري ومرافقيه لحفتر مدعما بصور ظهر فيها الأخير رفقة المجبري والوفد الحكومي داخل مقره العسكري.
والاهتمام المتأخر لإعلام المجلس الرئاسي بزيارة المجبري قد يشير إلى موافقة ضمينة للحملة العسكرية على مدينة درنة، وهو ما قد يفسر أسباب مهاجمة مجلس شورى مدينة درنة له.
وأصدر "مجلس شورى درنة"، مساء أمس الاثنين، بياناً أكد فيه على استمراره في الدفاع عن المدينة، وأن "الحملة الغاشمة التي تعرضت لها بأكثر من 50 غارة جوية أجنبية مع محاولات فاشلة لم تزد أهل المدينة إلا إيمانًا بنصر الله".
وأشار البيان إلى أن قوات المجلس تقف لوحدها ضد "طاغوت حفتر الطامح لعودة حكم العسكر"، مهاجما حكومة الوفاق التي وصفها بـ"المتواطئة"، قائلا إن "الحملة الغاشمة فضحت حكومة الوفاق الوطني المتواطئة والساكتة على قتل المدنيين الأبرياء، وأسقطت آخر ما كانت تتستر به أمام من اغتر بها".
انقسام مواقف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق قابله صمت وموقف غير واضح من رئاسة المجلس الأعلى للدولة (الغرفة التشريعية المقابلة لمجلس النواب بحسب الاتفاق السياسي)، على الرغم من مرور 24 ساعة من بدء عملية حفتر العسكرية.
واعتبر عضو مجلس الدولة عن مدينة درنة، منصور الحصادي، أن "تخاذلا يسود الأوساط الرسمية إزاء الوضع المحتقن في مدينته".
وقال الحصادي لـ"العربي الجديد"، إن حكومة الوفاق ومجلس الدولة "لم يتخذا موقفا رسميا مما يدور حاليا حول درنة، رغم أن خطر الحرب لا يفصله على المدينة سوى بعض أميال".
ودعا إلى ضرورة التهدئة، مؤكدا أن إعلان حفتر عن "فشل الجهود السلمية غير صحيح"، مبيناً أن "جهود المصالحة مازالت متاحة لحل الأزمة في المدينة سلمياً".
وأعرب الحصادي عن استغرابه من صمت البعثة الأممية التي قال إنها "كانت أكثر الجهات اهتماما بقضية درنة"، مضيفا "أوجه اللوم أيضا إلى أقرب جسم سياسي لدرنة وهو مجلس النواب الغارق في الصمت إزاء الطيران الذي يقصف ضواحي درنة حاليا، ويهدد سلامة المدنيين".
وطالب عضو مجلس الدولة عن درنة، كلا من حكومة الوفاق ومجلس النواب ومجلس الدولة إعلان مواقفهم الرسمية مما يدور حول المدينة، داعيا القبائل الليبية القريبة من المدينة سيما "قبيلة العبيدات المحيطة بها إلى لعب دور في جهود المصالحة، وكف آلة الحرب التي تسبب حالة من الرعب والخوف لكل أهالي المدينة من أطفال ونساء وغيرهم".
وختم بالقول "أتساءل من سيتحمل الآن نتائج هذه الحرب وقصف الطيران ومن صاحب القرار فيها؟ ومن المستفيد من إجهاض جهود المصالحة الدائرة، والتي لم تتوقف في قضية درنة"، محملا من يقود الحرب على المدينة مسؤولية القتلى والجرحى والمهجرين والنازحين، قائلا "سندفع جميعا بسببها فاتورة باهظة الثمن رأينا مثيلها في بنغازي ومناطق أخرى".