وقد احتضن المغرب عبر تاريخه سبع قمم عربية عادية وغير عادية، منذ نيله الاستقلال عام 1956. أول تلك القمم كان مؤتمر القمة العربية بالدار البيضاء عام 1965، ثم مؤتمر الرباط في 1969، فمؤتمر الرباط 1974، ومؤتمر القمة الثاني عشر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1981، والمؤتمر غير العادي الثاني في فاس عام 1982، والمؤتمر غير العادي الثالث عام 1985، ثم المؤتمر غير العادي السادس عام 1989. بالتالي كانت علاقة المغرب بمؤتمرات القمم العربية متباينة بين مرحلة الملك الراحل الحسن الثاني، والذي احتضنت البلاد جميع تلك القمم في عهده، مترئساً بنفسه وفود المغرب إلى قمم عربية في بلدان أخرى، وبين مرحلة العاهل الحالي الذي لم تحتضن البلاد في فترة حكمه أية قمة عربية، ولم يسبق له أن شارك شخصياً في أية قمة عربية.
العلاقة "الفاترة" بين المغرب والقمم العربية جسّدها قرار الملك محمد السادس في فبراير/ شباط الماضي بالاعتذار عن تنظيم الدورة الـ27 للقمة العربية، والتي كان مقرراً أن تحتضنها المملكة، قبل أن يتقرر تنظيمها في العاصمة الموريتانية نواكشوط يومي 25 و26 يوليو/ تموز الحالي.
وكشف بيان سابق لوزارة الخارجية المغربية دواعي رفض المملكة احتضان القمة العربية، وقد تنسحب الأسباب على امتناع العاهل المغربي عن حضور القمم العربية السابقة وقمة موريتانيا أيضاً، باعتباره أن "القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي".
وتوقع العاهل المغربي فشل القمم العربية المنعقدة في السياق الجيوسياسي الراهن، إذ وفقاً لبيان وزارة الخارجية فإن "الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة، قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع، وتستجيب لتطلعات الشعوب العربية".
من جهته، يوافق أستاذ العلاقات الدولية، مدير مجموعة الأبحاث حول إدارة الأزمات، إدريس لكريني، على مسوّغات الموقف المغربي الرسمي من القمم العربية. ويقول في هذ الإطار لـ"العربي الجديد"، إن "قرار المغرب إرجاء تنظيم الدورة العادية للقمة العربية يجد أساسه في الأوضاع المتوترة الراهنة، والذي زاد من حدتها تباين المواقف والرؤى حيال العديد من المواضيع، وتدخّل العديد من القوى الإقليمية والدولية في شؤون المنطقة".
ويضيف لكزيني أن "الكثير من تجارب القمم العربية التي انعقدت في فترات وظروف سابقة تظهر أنها شكلت محطة للتسابق على الزعامة والتراشق بالاتهامات والقذف أحياناً، فتحولت إلى مناسبات لتوتير الأوضاع وتعقيدها، وتكريس صورة نمطية لمنظّمة متجاوزة أمام شعوب، لم تعد تراهن على مثل هذه الاجتماعات أو مخرجاتها".
ويصف الخبير المغربي مواقف الجامعة العربية بكونها "مرتبكة تعكس في مجملها حالة التشظّي التي تعيش المنطقة على إيقاعها، فمن اليمن إلى سورية والعراق ثم ليبيا، لم تنجح هذه المنظمة التي تنصاع في اتخاذ قراراتها إلى الإجماع بدل الأغلبية، في بلورة تدابير وقرارات حاسمة قادرة على تجاوز الإكراهات التي تمّر بها هذه الأقطار".
ويشير لكريني إلى أنه "سبق للديوان الملكي أن أصدر بلاغاً عام 2009 بشأن عدم حضور العاهل المغربي شخصياً في القمة العربية الاستثنائية بالدوحة، وفي القمة العربية الاقتصادية بالكويت. وحمل البلاغ حينها رسالة مهمة وقف من خلالها على مجموعة من الاختلالات التي تطبع العمل العربي المشترك في إطار الجامعة العربية، والتي تجعل من عقد القمم العربية أمراً غير مجدٍ".
ويخلص إلى القول إن "التوجه المغربي لا يعني التنكر للقضايا الإقليمية المشتركة، بقدر ما هو رسالة بناءة يمكن أن يشكل محطة لنقاشات حقيقية تدعم تطوير أداء الجامعة ودمقرطتها. وذلك بالنظر إلى المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة، وما يتطلبه الأمر من يقظة ومسؤولية تقطع مع طبيعة الاجتماعات السابقة، وما تفرزه من توصيات تظل في أغلب الأحوال حبراً على ورق".