• بداية الرواية
تقول رضيّة بداية إنه في يوم 14 يونيو/حزيران "أول ما وقفت السيارة التي كانت تقلنا في نقطة الفلج العسكرية في مأرب وهي تابعة للشرعية، سألوا عبد الرشيد عن هويته. حين عرّف عن نفسه طلبوا منه النزول من السيارة. عندها غطيت وجهي تماماً باللثام. مع العلم أن "الفلج" من النقاط التي يوقف فيها الناس وحتى يعتقلون على الهويّة، وهي تحت سلطة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي ويوجد فيها أمن مركزي".
من جهته، يقول عبد الرشيد "قدمت لهم جواز سفري وأوراقي ووجهة سفري وعندها اتصلوا بمركز عمليات المحافظة، وبحسب ما أبلغني السائق، طلبوا من العناصر أن يتركوني أنتظر ثم يدعوني أذهب. وبعد نصف ساعة عندما سألت المكلف بالتعاطي معي عما سيجري طلب مني انتظاره في السيارة التي تقلّنا، وبالكاد مرت ربع ساعة حتى عاد بعض المجندين طالبين مني أن أصطحب معي هاتفي لفتحه وتفتيشه لكني رفضت تفتيش هاتفي لأنه ليس من حقهم. عندها أنزلوني من السيارة وأبلغوني أني سأفتحه بالقوة، أدخلوني غرفة الحجز وبدأوا بتهديدي تباعاً، أحدهم قال سنعذبك، آخر قال سنقتلك وثالث سنذبحك وآخر أنت عميل للأميركيين". ويضيف "عندها قلت لهم بيني وبينكم القانون بما أنكم أفراد أمن، وتواصلوا مع قياداتكم ولتعرفوا ماذا يريدون مني وأبلغوني. بعدها سألوني عمن يتواجد معي في السيارة فأبلغتهم بأنها زوجتي من دون أن أحدد اسمها". أما السبب فتعيده رضية إلى أنهما لم يكونا قد حسما سبب التوقيف، هل هو على غرار ما يتعرض له باقي المواطنين الذين يمرون بهذه النقطة، أم أنهم يعرفون هوية عبد الرشيد بوصفه ناشطاً حقوقياً. وهو ما جعلهما يؤخران الإعلان عن خبر الاعتقال لعدم لفت الانتباه إلى هويته في حال كان الأمر توقيفاً عادياً. وتروي رضية أنه "بعد توقيفه لنحو ساعة أبلغوني أن عبد الرشيد رفض فتح هاتفه لذلك سيتم نقله إلى إدارة الأمن وطلبوا مني العودة إلى صنعاء، واستغرب الجندي أني أريد مواصلة الطريق إلى سيئون (عاصمة وادي حضرموت ويتواجد فيها مطار شهد ارتفاع معدلات سفر اليمنيين من خلاله خصوصاً بعد توقف مطار صنعاء والتضييق الذي يواجه المواطنين الذين يستخدمون مطار عدن). وبمجرد أن غادرت النقطة تواصلت مع المنظمة وأبلغتهم بالاعتقال وطلبت منهم نشر الخبر".
ويستكمل عبد الرشيد ما حصل معه قائلاً: "تعرضت للشتم، للتهديد بالذبح والقتل، قالوا لي يا كلب يا وسخ يا عميل الأميركيين"، ثم أخدوني بطقم عسكري إلى بيت (بمثابة سجن غير رسمي) ولم يتم نقلي إلى إدارة الأمن ورفضوا أن يتم وصلي بأي من قياداتهم. جلست في غرفة بلا تهوئة مناسبة وبدرجة حرارة مرتفعة لساعات أنتظر، ثم أتى ضابط أخرجني من الغرفة إلى أخرى مكيفة واعتذر عمّا تعرضت له (وهو ما يربطه الناشطان ببدء حدوث ردود فعل داخل اليمن وخارجه على عملية التوقيف). وبعدها أطلقوا سراحي. أخرجوني إلى مكان على طريق لا أعرفه، لم تكن تمر به سيارات أجرة، حتى مرت سيارة "هيلوكس"، بحسب ما يُطلق عليها باللهجة اليمنية. وطلبت من سائقها أن يقلني إلى مأرب المدينة". وبعدما تمكن من إعادة شحن هاتفه النقال، يروي أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من محافظ مأرب سلطان العرادة الذي اعتذر له عما حدث واصفاً إياه بأنه خطأ كبير. وعندما سأله المحافظ عما يتوجب فعله لرد اعتباره، أبلغ عبد الرشيد، بحسب ما يروي في حديثه مع "العربي الجديد" أنه يريد "آلية لضبط أداء تلك النقطة العسكرية تجاه المدنيين لأنني أعرف أنه يوجد عشرات المعتقلين والمختفين قسرياً ممن اعتقلوا هناك".
الفصل الثاني من المعاناة بدأ مع وصول رضية وعبد الرشيد إلى سيئون، خصوصاً بعد إلغاء الرحلة التي كان يفترض أن يسافرا على متنها ما أجبرهما على الانتظار 4 أيام في الفندق من دون أن يخرجا منه نتيجة ما ترجعه رضية إلى التحريض الشديد ضدهما تحديداً على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو بدأ بعد انتشار خبر اعتقال عبد الرشيد. تقول في حديثها مع "العربي الجديد" لقد "وضعنا هذا التحريض في مواجهة خطر مع الجماعات المتشددة، شمل التحريض القول إننا حوثيون ومتآمرون". وتروي أنه في يوم الرحلة الجديدة (18 يونيو/حزيران)، وقبل الانطلاق إلى مطار سيئون، صادفا في الفندق قائداً عسكرياً تعرف إليهما وقال لهما "لو كنتما وقعتما في يدي لكان من المستحيل أن أترككما".
• الوصول غير المؤكد
أما عند الوصول إلى المطار فلم يستغرق الأمر طويلاً للعودة إلى الاحتجاز، لكن هذه المرة بأوامر واضحة من التحالف. تقول رضية "أول ما رأوا اسمينا أبلغونا فوراً بالجلوس بعيداً عن الناس، ثم أتى إلينا ضابط من أمن المطار طلب منا تسليمه هواتفنا فوراً وأبلغنا بأننا في حالة احتجاز من قبل التحالف العربي".
وبحسب ما تروي رضية فإن أفراد أمن سيئون لم يكن لديهم أي فكرة عن سبب الاعتقال ولم يكونوا على دراية بالأسئلة التي يتوجب عليهم طرحها، "بل كانوا يسألوننا نحن عن سبب اعتقالنا وكانوا محترمين جداً لم تصدر منهم أي إساءة". وعن كيفية انتشار خبر اعتقالهما في المطار، تجيب رضية على سؤال "العربي الجديد" قائلةً "عبد الرشيد غافلهم خلال عملية تحريز الأجهزة وأدخل معه أحد الهواتف إلى المرحاض وبعث برسالة أننا اعتقلنا من قبل التحالف". وتضيف "بعد انتهاء عملية التحريز نقلونا إلى الشرطة العسكرية، وكان يفترض أن يتم ذلك على متن طقم عسكري لكنهم رفضوا ذلك لكوني امرأة نقلونا بسيارة هيلوكس. وعندما وصلنا كان أفراد الشرطة في حالة ذهول من اعتقال امرأة، لهذا وضعونا في أحد المكاتب". لم يكن هناك سجن للنساء فوضعوا رضية في الفندق برفقة حراسة أمنية. يقول عبد الرشيد الذي عاد الى مواجهة الاحتجاز إن "قائد التحالف في سيئون، ويعرف بـ"أبو فهد"، كان دائم الاتصال للتأكد من استمرار الاحتجاز وعدم السماح لنا بالتواصل مع أي أحد، فيما كان الضباط يتحدثون أنه قد يتم نقلنا إلى شرورة (منطقة سعودية) على اعتبار أنه قد تم إلقاء القبض علينا بتوجيهات عليا من السعودية". ووفقاً لعبد الرشيد "بعدها أتى اتصال جديد مفاده بأنه جاءت توجيهات جديدة بالإفراج عنا وبأنه سيتم إرسال شخص لتسليمنا متعلقاتنا".
ويضيف أنه بعد الاتصال "أتى سعوديان بالزي التقليدي لا العسكري إلى المكتب وقالا لي نحن آسفون لكن ما نقوم به هو لمصلحة اليمنيين، وطلبا مني التأكد من أغراضي، وعندها أبلغتهما أنه ليس من مصلحة اليمنيين ما تقومون به، ثم تم إيصالي من قبل الشرطة العسكرية إلى الفندق".
بعد ذلك، كان التحدي، كما تقول رضية، "أن نجد رحلة للسفر أو العودة إلى صنعاء، لأن التحريض كان قد تصاعد مع احتجازنا في سيئون، على اعتبار أن البعض كان ينادي بأنه إذا لم يكن بالاستطاعة اعتقالنا فليتم قتلنا. وطلب منا الأمن عدم التحرك لأن الوضع غير مريح". وتضيف "بينما كنا نستعد للسفر من جديد وافترضنا أننا نجونا من الاعتقال وصلتنا في ثاني أيام إطلاق سراحنا من قبل التحالف تسريبات من قيادات أمنية وعسكرية في سيئون بأنه يوجد توجيهات جديدة صدرت من القائم بأعمال رئيس هيئة قائد الأركان عادل القميري المتواجد في مأرب وأحد القيادات في الاستخبارات بالقبض عليكم وإرجاعكم إلى مأرب". ووفقاً لرضية "قررا عدم نشر ذلك لأن الأمر قد يكون محاولة من السعودية لإلقاء القبض علينا مباشرة والقول إن من أًصدر التوجيهات السلطة في مأرب لتفادي الضغط عليها".
• تهديد إضافي مصدره "القاعدة"
من جهته، يشير عبد الرشيد إلى أنهما في نفس اليوم تلقيا بعد ذلك مساعدة من قيادات عسكرية في سيئون لتسريع سفرهما. أما السبب فهو وجود خطر جديد يتخطى مجرد الاعتقال. وبحسب ما أبلغه أحد الضباط أنه تم "رصد مكالمات لعناصر في تنظيم القاعدة يتردد ذكر اسميهما فيها، وبالتالي كان الضابط متأكداً أنه يوجد خطة لتصفيتنا"، وهو ما جعل قيادات أمنية ترافقهما في المطار خطوة بخطوة لتأمين السفر.
ويرى عبد الرشيد أن ما جرى معهما من اعتقال يعكس رغبة التحالف بإيصال رسالة بأنه "لا يريد لأحد أن يعمل على انتهاكاته بحق اليمن واليمنيين"، وذلك على غرار باقي أطراف الصراع.
وحين سألنا الاثنين حول الكلمات ذات الصوت المرتفع التي تنتقد أداء منظمة "مواطنة" وتتهمها بأنها تهادن الحوثيين وتقاريرها تلمّع صورة الجماعة، لا ينفي مسؤولا "مواطنة" وجود انتقادات تتعرض لها منظمتهما. تقول رضية "إن من يعملون على التحريض على "مواطنة" هم من أطراف الصراع، ولا يوجد طرف صراع يعمل ضدك ويقول لك أنت محايد. نحنا تعرضنا لحملات من قبل الحوثيين، اعتقلوا العديد من شبابنا، هددونا، حاولوا تجميد حساباتنا، حاولوا التحريض ضدنا، لكنهم إلى الآن لم يقفلوا مكتبنا، لكن قدرتنا على الصمود لا يجب أن تتحول إلى تهمة لنا". وتؤكد أن مواطنة حمت نفسها بكونها منظمة مستقلة ومن خلال مهنيتها وحرفية عملها، علاقاتها المعروفة بمنظمات دولية عدة، لكن هذا الأمان "قد لا يستمر لأنه يمكن لأي طرف اعتقالنا أو إقفال مكتبنا في أي لحظة". وتلفت إلى أن المنظمة شاركت في إدراج السعودية والحوثيين في قائمة العار بسبب دورهما في الانتهاكات. من جهته، يؤكد عبد الرشيد، أنه "لا يوجد انتهاك من انتهاكات الحوثيين لم تغطه المنظمة بشكل فاعل سواء في صنعاء أو بقية المحافظات، من انتهاكات الحريات الصحافية، إلى الألغام، التعذيب في سجون الحوثيين، اضطهاد الأقليات مثل البهائية، الانتهاكات في تعز من جميع الأطراف…. "، مشيراً إلى أن جميع التقارير منشورة على موقع المنظمة.