تحتدم المعارك في مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، بين قوات المعارضة، وقوات النظام مدعومة بمليشيات طائفية، وإسناد ناري من الطيران الروسي، في اليوم الثاني من معركة "ملحمة حلب الكبرى"، والتي بدأتها المعارضة يوم الجمعة، في مسعى إلى كسر الحصار المحكم على أحيائها في شرق حلب. وواصلت قوات المعارضة "ملحمة حلب الكبرى"، أمس السبت، بضرب مواقع قوات النظام في جبهة كتيبة جمعية "الزهراء" في شمال حلب، كما بدأت في التمهيد الناري للسيطرة على كامل مشروع 3000 شقة، في الطريق للوصول إلى الأكاديمية العسكرية كبرى مواقع النظام في حلب وأكثرها تحصيناً. واندفع نحو 25 فصيلاً تابعاً للمعارضة السورية المسلحة الجمعة، معلنين بدء معركة "ملحمة حلب الكبرى"، بهدف كسر الحصار الذي تفرضه قوات النظام ومليشيات طائفية موالية على المنطقة الشرقية من مدينة حلب، والتي تضم نحو 300 ألف مدني.
وخلال المرحلة الأولى من المعركة، سيطرت المعارضة على نقاط عدّة أهمها معمل الكرتون، ومناشر منيان، وضاحية الأسد، وعشرين كتلة من مباني 1070 شقة، بالإضافة إلى أسر مجموعة من حركة "النجباء" العراقية، وقتل مجموعة من عناصر حزب الله. وكانت المعارضة المسلحة قد أعلنت، أمس، أنها بصدد التحضير لمعركة كبرى في حلب، لقطع الطريق أمام مشروعات روسية إيرانية تهدف إلى إخراج مقاتلي المعارضة من المدينة، وتهجير ما تبقّى من سكان الأحياء الشرقية. وذلك في مسعى إلى تحقيق حسم عسكري في هذه المدينة التي تأتي في المرتبة الأولى لجهة الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية في سورية.
واعتبرت المعارضة المسلحة أن ملحمة حلب الكبرى ستكون من المعارك الفاصلة في مسيرة الثورة السورية، وأنها لن تتوقف عند حدود كسر الحصار عن شرق حلب، بل تهدف إلى تغيير المعادلات العسكرية في هذه المدينة، والتي سيكون لها الدور الأعظم في تحديد مآلات الثورة السورية بعد نحو ست سنوات من انطلاقها.
في هذا الصدد، ذكر المتحدث العسكري باسم تجمع "فاستقم كما أمرت" في حلب، عمار سقار، لـ"العربي الجديد"، أن "هذه المعركة تختلف عما سبقها من معارك في المدينة، لأنها تشمل جميع الفصائل العسكرية المعارضة في محافظتي إدلب وحلب". ولفت إلى أن "للمعركة أهدافاً تكتيكية، أبرزها كسر الحصار عن الأحياء الشرقية في حلب، وأخرى استراتيجية تطمح إلى طرد قوات النظام والمليشيات الطائفية من كامل المدينة". وأوضح سقار أن "المطر كان حليف قوات المعارضة الجمعة، فشُلّت حركة طيران النظام، وأدى إلى قيام الطيران الروسي بقصف مواقع لقوات النظام، والمليشيات في الأكاديمية العسكرية، وحي الحمدانية".
بدوره، اعتبر المتحدث باسم حركة نور الدين الزنكي، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أن "أهمية المعركة تنبع من كونها جاءت في وقت تتعرض فيه الثورة إلى مختلف أنواع الضغوط"، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المعركة متكاملة ومستمرة، وتسير وفق خطة مدروسة، وإعداد وتنسيقٍ عالٍ". وأشار إلى أن "الهدف المرحلي للمعركة هو الضغط على قوات الأسد، والمليشيات الطائفية، لتخفيف القصف على المدنيين، وكسر الحصار عن أطفال ونساء الأحياء الشرقية في حلب".
وكانت المعارضة قد أبدلت تسمية ضاحية الأسد التي سيطرت عليها بعد ساعات من انطلاق ملحمة حلب الكبرى، إلى "مدينة الشهيد يوسف زوعة"، والذي كان من أهم قادة الجيش السوري الحر في حلب قبيل مقتله في 11 أغسطس/آب الماضي، أثناء المعارك مع مليشيات موالية للنظام جنوب حلب.
وتُعدّ الأكاديمية العسكرية في حلب، الهدف الأهم لقوات المعارضة التي باتت على مشارفها، فهي خط دفاع قوات النظام عن حلب، فضلاً عن كونها من أهم مقرّات المليشيات. كما أنها مركز تجمّع كبير لقوات النظام قبل التوجه إلى الجبهات في حلب. وذكرت مصادر في المعارضة المسلحة أن لديها معلومات تفيد بأن النظام قام خلال السنوات الماضية بتحصين الأكاديمية تحصيناً كبيراً، وأقام خطوط دفاع محكمة حولها ومقرات قيادة تحت الأرض، للحيلولة دون سقوطها بيد المعارضة. ولفتت إلى أنه "في داخل الأكاديمية نحو ألف من عناصر حركة النجباء، وحزب الله".
وأضافت المصادر أن "فصائل المعارضة مصرّة على السيطرة على هذا المعقل العسكري الكبير"، مشيرة إلى أن "السيطرة عليه سيكون له وقع الصاعقة على قوات النظام والمليشيات، وربما يؤدي إلى انهيارها في كامل المدينة".
بدورهم، أكد محللون عسكريون أن "مجريات معركة ملحمة حلب الكبرى، تؤكد أن المعارضة حققت نجاحاً تكتيكياً كبيراً"، مشيرين إلى أنه "من الممكن أن تحقق المعركة نتائج أكبر إذا لم يتم إيقاف الدعم عن المعارضة". كما رأى المحلل العسكري العقيد الطيار مصطفى بكور، أن "معارك اليوم الأول كانت ناجحة بكل المقاييس". وأردف في حديث مع "العربي الجديد" أن "قوات جيش الفتح، والفصائل المساندة لها، استطاعت تحرير عدد من النقاط وضاحية الأسد وبعض الأبنية من مشروع 1070 شقة، والتقدم باتجاه الأكاديمية. ويُعتبر هذا إنجازاً كبيراً في ظلّ التحصينات الكبيرة لقوات النظام والمليشيات الطائفية متعددة الجنسيات، والكمّ الهائل من الأسلحة والعناصر الموجودة بحوزة النظام في تلك المنطقة".
وأشار بكور إلى أن "التكتيك الذي استخدمته قوات المعارضة في هجومها على حلب لم يكن متوقعاً على ما يبدو من قبل قوات النظام، خصوصاً أن المعارضة أعلنت منذ أيام عن معركة لفك الحصار عن أحياء حلب الشرقية". وأضاف أنه "كان المنطق العسكري يشير إلى أنه سيتم الهجوم باتجاه طريق الراموسة لفتح الطريق إلى شرق حلب المحاصر حيث المسافة قريبة. لكن الهجوم بدأ من الجهة الغربية لحلب، أي من حيث لا يتوقع النظام ذلك. وهذا يعتبر نجاحاً تكتيكياً ممتازاً".
وأعرب بكور عن اعتقاده بأنه "إذا لم يتم الضغط من قبل الجهات الداعمة على جيش الفتح لوقف المعركة، فإن إنجازات كبيرة سوف تتحقق في الأيام المقبلة". وتابع: "ربما يتم تطهير قطاعات كبيرة من مدينة حلب من المليشيات والشبيحة، تحديداً في ظلّ الانهيار الكبير في صفوفهما، مما سيؤدي إلى تقوية موقف المعارضة في أي مفاوضات مقبلة مع الروس والنظام".
من جهتها، تتخوف مصادر في الائتلاف الوطني السوري من أن تكون "ملحمة حلب الكبرى" كسابقاتها لجهة توقف الدعم العسكري والعودة إلى المراوحة في المكان مرة أخرى، وإبقاء الجرح السوري مفتوحاً بانتظار تسويات لم تنضج بعد تحفّظ مصالح الدول الكبرى.
في سياق آخر، أفاد مصدر محلي في الأحياء الغربية من حلب، والتي تسيطر عليها قوات النظام أن "أغلب خطوط الاتصالات متوقفة عن العمل، خصوصاً الإنترنت". وأكد المصدر لـ"العربي الجديد" أن "شبكة خطوط الإنترنت الأرضية، والخطوط اللاسلكية جي 3 مقطوعة منذ يوم الجمعة عن حلب، بينما تعمل شبكات جي 2 بشكل متقطع وبطيء جداً".
ولفت المصدر إلى أنّ "ذلك الانقطاع أدى لذعر وتخوف بين المدنيين، لكونهم لا يستطيعون التواصل حالياً مع الخارج إلا عن طريق خطوط جي 2 البطيئة، ومن المحتمل توقفها". وأوضح أنه "لا يُعرف ما هو سبب الانقطاع، وفيما إذا كانت قوات أمن النظام وراءه، أم أن هناك أعطالاً فنية"، مشيراً إلى أن "أصوات الاشتباكات المقبلة من جبهات القتال في جنوب حلب توحي بوجود معركة عنيفة جداً". وكشف أنّه "يوجد تخوف من أن تكون هناك نية لدى النظام بالقيام بعمليات اعتقال واسعة ضمن المدينة من أجل زج الشباب والرجال في المعركة، بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها الجمعة". مع العلم أن المنطقة الخاضعة لسيطرة النظام الأسد في غربي حلب، تعاني من كثرة حواجز التفتيش، إضافة لعمليات التجنيد الإجباري التي يفرضها النظام على الرجال والشباب في صفوفه، وعمليات السرقة والتشبيح من قبل المليشيات الطائفية.
في دمشق، أحكمت قوات النظام، مدعومةً بمليشيات، يوم الجمعة، حصارها على مخيم خان الشيح، والذي يقطنه لاجئون فلسطينيون، غرب العاصمة. وذلك بعد سيطرتها على مواقع عدة بين المخيم ومدينة زاكية، قاطعة الطريق بين المنطقتين بشكل كامل.
في هذا الإطار، قال الناشط الإعلامي، من مخيم خان الشيح، ضياء عسود، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قوات النظام مدعومة بحزب الله ومليشيا درع القلمون وبغطاء جوي من الطيران الحربي، سيطرت على تلة الدفاع الجوي الاستراتيجية، الواقعة بين مخيم خان الشيح وبلدة زاكية في غوطة دمشق الغربية، بعد معارك عنيفة مع قوات المعارضة".
وأوضح أنّ "قوات النظام سيطرت أيضاً على مواقع أخرى في محيط خان الشيح بالإضافة إلى كافة الطرق الواصلة إلى المخيم، لتفرض بهذه السيطرة حصاراً تاماً على سكان المخيم، تمهيداً لتجويعه وتهجير ساكنيه". ولفت إلى أنّ "قوات النظام بدأت بهذه السياسة منذ نحو ثلاثين يوماً، وكانت خلالها تقصف المنطقة بكافة أنواع الأسلحة، حتى المحرمة دولياً".
في درعا، تمكّن الجيش السوري الحر، أمس، من قتل وجرح عدد من عناصر قوات نظام الأسد في حي المنشية في المدينة، وذلك بعد ساعات من مقتل عدد من الضباط والعناصر إثر استهداف رتل لقوات للنظام في ريف درعا، جنوب سورية. وأكّد الناشط الميداني أحمد المسالمة لـ"العربي الجديد" مقتل وجرح "مجموعة من عناصر قوات النظام إثر استهداف دشمة يتحصنون فيها بحي المنشية في درعا البلد". وأضاف المسالمة أنّ "العملية جاءت بعد ساعات من استهداف الجيش الحر لرتل من آليات قوات النظام في شمال بلدة النعيمة بريف درعا، وكان الرتل متجهاً من بلدة خربة غزالة باتجاه الكتيبة المهجورة الواقعة شمالي بلدة النعيمة".
وبحسب المسالمة فقد تم التأكد من مقتل وجرح عدد من قوات النظام، بينهم ضابطان، وذلك بعد متابعة اتصالات هذه القوات واختراق تردداتها، مشيراً إلى أن "العملية تمت بعد رصد واستطلاع مستمر، وتحديد مكان الرتل ووجهته". كما تعرّضت بلدة اليادودة ومنطقة درعا البلد لقصف من مدفعية قوات النظام الأسد، أسفر عن وقوع أضرار مادية.