وكان الرئيس السوداني عمر البشير، قد أعلن في خطاب له في 22 فبراير/ شباط الماضي، جاء على خلفية الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فرض حالة الطوارئ لمدة سنة، قائلًا إن ذلك يأتي لتمكين مبادرة الحوار الوطني الشامل التي اقترحها خلال الخطاب نفسه.
وجاءت المصادقة على الطوارئ وسط انقسامات كبيرة بين الكتل البرلمانية، التي أعلن بعضها رفضها لأمر الطوارئ جملة وتفصيلاً، فيما ذهب آخرون لرفض الأوامر الملحقة بها والخاصة بحظر التجمعات والتظاهر.
وتسبب الخلاف في تأجيل الجلسة لأكثر من 3 ساعات، قبل أن تبدأ الجلسة التي أوصى فيها رئيس اللجنة الطارئة الخاصة بدراسة مرسوم الطوارئ، النواب بإجازته؛ لجهة أنه سيساعد على مكافحة تهريب السلع ويساهم في الحرب على الفساد المالي والإداري، ويوقف تهريب المخدرات والاتجار بالبشر ومكافحة الإشاعات والأخبار المفبركة.
وخلال المداولات، أعلن مجدي شمس الدين ممثل الحزب الاتحادي الديمقراطي، رفض الأوامر بالرقم واحد واثنين المتعلقين بحظر التظاهر، مبيناً أنها ستؤثر على الحريات العامة ولن توفر بيئة جيدة للحوار السياسي بين القوى السياسية.
وأكد شمس الدين أن إعلان الطوارئ جاء مخالفاً للدستور تماماً في المبررات التي تم ذكرها. وبينما أعلن العضو أحمد علي أبوبكر تأييده المطلق لإعلان حالة الطوارئ، طالب العضو عيسى مصطفى بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفتح صفحة جديدة للحوار.
وأوضح أبوالقاسم برطم، رئيس كتلة المستقلين، أن إعلان حالة الطوارئ يتناقض مع خطاب للرئيس البشير الذي أعلن فيه التزامه بالحوار والحريات السياسية، مستنكراً إصدار أحكام بجلد النساء باسم الطوارئ، منوهاً بأن الهدف من الإعلان هو منح سلطات مطلقة للقوات النظامية.
وأكد نائب رئيس مجلس الولايات محمد الأمين خليفة، من جهته، أن الطوارئ تمسّ الحقوق الأساسية، وأن بها خلطاً بين الاحتجاجات السلمية والفساد والتدهور الاقتصادي، بيد أنّ العضو عثمان نمر، قال إن الطوارئ ستعصم البلاد من الانزلاق نحو الفوضى، فيما أوضحت العضو إشراقة سيد محمود أن الإعلان يأتي خصماً للشباب المحتجين في الشوارع، الذين لهم الفضل في الضغط على الحكومة لاستصدار قرار ضد الفساد ولصالح الإصلاح، واتفق عدد من الأعضاء على ضرورة رفض الأوامر الخاصة بتجريم التظاهر والتجمع لكونها حقوقاً دستورية.
أما وزير العدل محمد أحمد سالم، فقد دافع بشدة عن إعلان حالة الطوارئ، وقال إنها أعلنت لمحاربة الفساد ولرفع الحصانات عن المتجاوزين، مشيراً إلى أنّ من حق أي شخص متضرر من التنفيذ الخطأ للطوارئ تقديم شكوى، مبيناً أن الدولة ضد أي انتهاك وضد إذلال أي شخص، وفق قوله.
وأضاف سالم أن محاكم الطوارئ أنشئت في 5 ولايات فقط من ضمن 18 ولاية، وأن 80 في المئة ممن قدموا للمحاكمة تمت تبرئتهم، وأكد أن تنفيذ الطوارئ يتم بصورة مخففة.
وبنهاية الجلسة، طرح رئيس الهيئة التشريعية الموضوع للتصويت، الذي جاء لصالح إجازة الطوارئ بالأغلبية.
ولم تفلح السلطات السودانية، التي أصدرت أحكاماً بالسجن والجلد بموجب قانون الطوارئ، في إجهاض الاحتجاجات عبر القانون المذكور، إذ استمر المتظاهرون بتحدي إجراءات الطوارئ عبر تنظيم احتجاجات، بما في ذلك تلك التي جرت أمس الأحد.
وتجمّع مئات المحتجين أمس الأحد، في مدينة أم درمان غرب الخرطوم، في موكب جديد تحدياً لقانون الطوارئ. كما شهد حي الصحافة جنوب الخرطوم، تظاهرات مماثلة أغلق فيها المتظاهرون الطرق الفرعية المؤدية للحي وهتفوا بسقوط النظام، كما شهدت الجامعات الخاصة تظاهرات عديدة. وكانت قوات الشرطة والأمن قد طوّقت مقر حزب الأمة القومي، بعدما حددته المعارضة نقطة لبداية التجمع المقرر له التوجه إلى مقر البرلمان القومي، إلا أن المحتجين انسحبوا لنقاط أخرى وبدأوا في ترداد هتافات الحراك الشعبي المعتادة "حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب"، و"رصّ العساكر رص الليلة تسقط بس"، "سلمية سلمية ضد الحرامية".