تسعى "قوات سورية الديمقراطية" التي تضم تحالف فصائل متعددة تشكّل "وحدات حماية الشعب" الكردية ركنها الأساسي، للوصول إلى تخوم مدينة الرقة بشمال سورية، في مرحلة جديدة ورابعة من عملية "غضب الفرات" التي بدأت أواخر العام الماضي لـ"عزل" المدينة، في خطوة تسبق أي محاولة أخرى لاقتحام أهم معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية.
وأشارت القيادة إلى أن هذه المرحلة تهدف إلى "إزالة آخر العقبات أمام (قوات سورية الديمقراطية)، للتمهيد لعملية تحرير مدينة الرقة وإتمام الطوق والحِصار وتطويق الخِناق على الإرهابيين"، وفق تعبير البيان الذي أوضحت فيه قيادة غرفة عمليات "غضب الفرات" أن العملية "تتم بمشاركة مختلف الفصائل المنضوية تحت لواء قوات سورية الديمقراطية، وبدعمٍ مباشر من التحالف الدولي ضد الإرهاب من خلال التغطية الجوية والاستشارة الفعلية على الأرض"، بحسب البيان. وذكرت أن التقدم "يتم على محورين: محورٍ شرقي، ومحورٍ غربي، ونستهدف من خلال ذلك تحرير عشرات القرى الواقعة في وادي جلاب، والريف الشمالي لمدينة الرقة"، وفق تأكيدها.
من جهته، أكد قيادي بارز في "سورية الديمقراطية" أن المراحل السابقة من عملية "غضب الفرات" سارت وفق ما هو مخطط لها، إلا أن هذه القوات اصطدمت بعقبة كبرى وهي مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي، إذ لم تستطع انتزاع السيطرة عليها، على الرغم من مرور أكثر من عشرين يوماً على بدء عملية عسكرية واسعة النطاق في إطار "غضب الفرات" لطرد "داعش" منها.
وأعقب إعلان "سورية الديمقراطية" انطلاق المرحلة الرابعة من "غضب الفرات" تفجير انتحاري نفذه تنظيم "داعش" في مزرعة القادسية شمال غربي الرقة، قالت عناصر من التنظيم إنه أدى إلى مقتل نحو 20 من مقاتلي "سورية الديمقراطية" التي تحاول فرض نفسها شريكاً وحيداً مع "التحالف الدولي" في محاربة "داعش" في سورية.
وكانت "سورية الديمقراطية" بدأت المرحلة الأولى من عملية أطلقت عليها تسمية "غضب الفرات" في بداية نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، في ريف الرقة الشمالي، انتهت بعد عشرة أيام من انطلاقها بانتزاع السيطرة من تنظيم "الدولة الإسلامية" على مساحة جغرافية قُدرت بنحو 550 كيلومتراً مربعاً، وتضم 34 قرية و31 مزرعة، وفق مصادر في "سورية الديمقراطية". وأشارت إلى أن المليشيات الكردية أحكمت السيطرة على 7 تلال استراتيجية، إلى جانب السيطرة على محطة الكهرباء ومحطة المياه شمال الرقة.
كما أكدت المصادر مقتل 167 من مقاتلي التنظيم في المرحلة الأولى، وتفجير 12 سيارة مفخخة قبل بلوغ هدفها، وتدمير 14 سيارة عسكرية، ومدافع، وشاحنات، ودراجات نارية. وفي العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2016، بدأت المرحلة الثانية من "غضب الفرات" لانتزاع السيطرة على قرى وبلدات في ريف الرقة الغربي، في محاولة لفرض "عزلة" على مدينة الرقة. وشهدت هذه المرحلة مشاركة مليشيات جديدة تحت قيادة "سورية الديمقراطية" منها ما يُسمّى بـ"قوات النخبة" التي تتبع لتيار "الغد السوري" بزعامة أحمد الجربا، ويتخذ من القاهرة مقراً له.
وفي بداية فبراير/شباط الماضي، بدأت المرحلة الثالثة من عملية "غضب الفرات" لانتزاع السيطرة على مساحات في ريف الرقة الشرقي ولتضييق الخناق أكثر على مقاتلي التنظيم داخل المدينة. وحققت "سورية الديمقراطية" في هذه المرحلة تقدماً في ريف الرقة الشرقي، واستطاعت السيطرة على الطريق الواصل بين الرقة ودير الزور في شمال نهر الفرات. كما سيطرت على قرى وبلدات هامة منها بلدة الكرامة شرقي الرقة بنحو 30 كيلومتراً، وكانت من المعاقل البارزة للتنظيم بين الرقة ودير الزور. ولم تقتصر المعارك في المرحلة الثالثة على ريف الرقة الشرقي، بل عاودت "سورية الديمقراطية" الضغط على تنظيم "داعش" في مدينة الطبقة. وقامت بعملية إنزال "ناجحة" في منطقة الكرين غربي المدينة، إذ تمركزت قوات لها، لتنطلق بعد ذلك وتسيطر على مطار الطبقة الاستراتيجي جنوب شرقي الطبقة. كما استكملت القوات في المرحلة الثالثة عملية إحكام طوق الحصار على الطبقة من خلال السيطرة على قريتي الصفصافة ومزرعة الصفصافة شرقها، وقرية عايد كبير جنوب غربي الطبقة. وباتت بذلك على تخوم الطبقة من الجهات الأربع، إذ ترابط قوات تتبع لـ"سورية الديمقراطية" على مدخل سد الفرات الشمالي.
ورأى القيادي البارز في قوات "سورية الديمقراطية"، شرفان درويش، أن كل المراحل السابقة من عملية غضب الفرات "تمت بنجاح، وسارت وفق ما تم التخطيط له"، مشيراً في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أنه "مع كل مرحلة كان يزداد عدد الأفراد الذين ينضمون للقوات بشكل أكبر، وكذلك الزخم الشعبي والعشائري". وأكد درويش أن مقاتلي "سورية الديمقراطية" يسيرون "بخطى ثابتة ومدروسة نحو المعركة الحاسمة وهي تحرير الرقة"، مشيراً إلى أنه "يتم تضييق الخناق على مقاتلي داعش أكثر"، ومؤكداً أن المرحلة الرابعة هي "مرحلة الوصول إلى تخوم المدينة"، وفق درويش.
واصطدمت "سورية الديمقراطية" في المرحلة الثالثة المنتهية بعقبة كبرى وهي مدينة الطبقة. ومن الواضح أن تنظيم "داعش" يتخذ من سد الفرات جدار دفاع متين، ولوّح بورقة تعريض السد للخطر في حال استمرار الحملة عليه. ولكن شرفان درويش يؤكد أن لدى "سورية الديمقراطية" خططها بما يتعلق بمدينة الطبقة، مضيفاً أن هذه القوات لديها "الخبرة للتعامل مع كل الظروف" وفق تعبيره. وأشار إلى أن التنظيم "يتقهقر ولا شيء يمكنه الحد بيننا وبين دحر داعش"، على حد قوله.
وتعد محافظة الرقة رابع المحافظات السورية الأربع عشرة من حيث المساحة، بعد محافظات حمص ودير الزور والحسكة، وتبلغ نحو 20 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل أكثر من 10 بالمائة من مساحة سورية. وتمتد محافظة الرقة على مساحة أكثر من 150 كيلومتراً من الغرب للشرق، وعلى مساحة 200 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، وتصل حدودها إلى قلب بادية الشام. وكانت الوحدات الكردية سيطرت على مدينة تل أبيض التي تقع إلى شمال الرقة بنحو مائة كيلومتر على الحدود السورية التركية، في منتصف عام 2015، إثر انتزاع السيطرة عليها من تنظيم "الدولة الإسلامية" بدعم من طيران "التحالف الدولي".