وبصرف النظر عن الخلفيات السياسية لمعارك الشرعية الداخلية، المتّصلة أساساً بتنازع اختصاصات بين رئيس الوزراء ومسؤولين مقربين من رئيس الجمهورية، فقد وصلت الأزمة إلى أوجها مع إقرار عبد الملك كسر احتكار استيراد النفط وفتح المجال أمام التنافس في هذا المجال، بعد أن كان رجل الأعمال، أحمد العيسي، المقرب من الرئيس، المستورد الحصري للمشتقات النفطية في عدن.
وظهرت المعارك على هيئة مهاترات في المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى جملة من الإجراءات اتخذها رئيس الحكومة ولاقت تأييداً لدى العديد من الأوساط، وهجوماً من أخرى.
وسحبت هذه المعركة نفسها على مشاورات التشكيل الوزاري المرتقب، وقفاً لما نصّ عليه "اتفاق الرياض" الموقّع في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بين الحكومة الشرعية و"المجلس الانتقالي الجنوبي". ولوحظ أنّ أطرافاً في الرئاسة تحاول الدفع ببدلاء آخرين لعبد الملك الذي كانت تنصّ المسودة قبل الأخيرة من "اتفاق الرياض"، على بقائه في منصبه، قبل أن يتمّ تعديل المسودة بإصرار من الرئيس، ليظلّ احتفاظ عبد الملك بالمنصب أمراً متفقاً عليه، ولكن من دون نصّ.
كل هذا يجري على مقربة من جملة العراقيل التي يضعها "المجلس الانتقالي" المدعوم إماراتياً، والتي تحول دون تنفيذ بنود "اتفاق الرياض" حسب التزمين المدرج. والشاهد في هذا كله، أنّ الشرعية تعاني من أزمات ذاتية تجعلها تدور حول نفسها كجمل المعصرة، ولا تتقدّم خطوة نحو الأمام، الأمر الذي يلقي بظلاله على موقف داعميها وعلى حضورها داخلياً بشكل عام.
من زاوية أخرى، تمثّل معارك الشرعية هدايا مجانية للحوثي الذي يجيد بدوره استثمارها سياسياً وإعلامياً، بحيث أصبح يتصرّف في مناطق سيطرته بنوع من اللامبالاة التي تعمّق جراح المواطنين وتزيد من مخاوفهم تجاه المستقبل.
أحدث ما اتخذته الجماعة في الأيام الأخيرة، كان قرار مصادرة الطبعة الجديدة من العملة المحلية، المطبوعة في عدن، وهو الأمر الذي من شأنه تعميق الأزمة الاقتصادية ونهب ملايين اليمنيين. إذ إنّ العملة التي يعتبرها الحوثيون مقبولة، بات نحو 80 في المائة منها مهترئا وغير صالح للتداول.
هذا الإجراء، يمثّل رصاصة في نعش الاقتصاد المنهك، وباباً للابتزاز ونهب ما تبقى من الميسورين الذين أمهلهم الحوثيون شهراً للتخلّص مما بحوزتهم من هذه العملة، وطالبوهم بتسليمها إلى جهات بعينها، على أن يتم تعويضهم بـ"النقد الإلكتروني". والأخير أقرب لخدعة. ووسط ذلك، تقف الشرعية عاجزةً عن اتخاذ أي إجراء تدافع به عن مواطنيها، علماً أنّ بيدها العديد من الأوراق في هذا الإطار، لو أنها وجهت مجهودها في الاتجاه الصحيح، لا في المعارك الشخصية.