على مدى أسابيع طويلة من التسريبات الخاصة بالانسحاب الجزئي من اليمن، لم يظهر مسؤول إماراتي واحد باسمه وصفته، يكشف عما وراء القرار المفاجئ بتقليص وجود الإمارات عسكرياً، إلا أن أبوظبي وبعدما استنفدت، على ما يبدو، أساليب الابتزاز لحليفتها السعودية، خرجت أخيراً بتصريحات لافتة لوزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، الذي خرج بدوره ليؤكد أن بلاده على الرغم من الخطوات الأخيرة لن تغادر اليمن، مع إبداء حرص على نفي وجود الخلافات مع الرياض، على نحو يعزز صلتها الوثيقة بالتسريبات الإماراتية. وتتفق المعلومات الميدانية مع تصريحات قرقاش في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إذ إن الإمارات وفقاً لمصادر قريبة من الحكومة اليمنية لـ"العربي الجديد"، على الرغم من تقليص وجودها العسكري في بعض القواعد العسكرية، بما في ذلك مدينة عدن، جنوبي البلاد، ما تزال تتولى في واجهة نفوذ التحالف وقيادته العسكرية جنوباً، جنباً إلى جنب مع استمرار إدارتها للتشكيلات المسلحة الانفصالية الخارجة عن سلطة وسيطرة الحكومة اليمنية.
وبصرف النظر عن المقدمة التي سعى الوزير الإماراتي من خلالها إلى تأكيد أن بلاده اتخذت خطوات تعزز من فرص الحل السياسي على حساب الدور العسكري، حمل المقال، رسائل مرتبطة بالرياض وتأكيد أن "الإمارات ستبقى عسكرياً في اليمن، وستواصل في السياق دعم "القوات اليمنية"، إشارة إلى التشكيلات العسكرية الموالية لأبوظبي، والتي تعتبر في الواقع، على رأس العقبات في طريق عودة الحكومة اليمنية لأداء مهامها وفرض سلطاتها في جنوب البلاد وشرقها.
وتعد تصريحات قرقاش، الأولى من نوعها، منذ تواتر الأنباء عن بدء الإمارات انسحاباً جزئياً من اليمن، وهي المعلومات التي كانت تُنسب في الغالب إلى مسؤولين رفيعي المستوى في أبوظبي، من دون تسميتهم. الأمر الذي يعزز بوقوف الخلافات السعودية الإماراتية على رأس الأسباب غير المعلنة لتسريبات أبوظبي، التي سعت عبر التسريبات لإيصال رسائل إلى الرياض، على أمل أن تقوم الأخيرة بالخضوع لبعض الإملاءات الإماراتية الخاصة بالملف اليمني. الأمر الذي كان واضحاً بالمقدمات التي سبقت حديث الانسحاب، بما في ذلك حدة الخلاف المتصاعدة بين القيادة اليمنية وبين الإماراتيين، والتصريحات التي أطلقها مسؤولون يمنيون من داخل الرياض، تندد بدور أبوظبي وممارساتها وتعتبرها انحرافاً عن الأهداف المعلنة للتحالف.
ويفسر الخلاف السعودي الإماراتي، السياسة التي اتبعتها أبوظبي، بتسريبات الأسابيع الماضية، الخاصة بالانسحاب من اليمن، لجعل الموقف ضبابياً وقابلاً لتحديد الخيارات، بناءً على ردود الفعل الخاصة بالتسريبات. وبالنظر إلى تطورات الأسابيع الأخيرة، يبدو أن نتائج كرة الاختبار الإماراتية كانت صادمة بالنسبة للأخيرة، إذ إن الرياض، أقلّه علناً، لم تبدِ استنفاراً أو تخوفاً من تلويح أبوظبي بالانسحاب. والموقف لا يبتعد كثيراً بالنسبة للحكومة اليمنية الشرعية، التي من المؤكد أن أنباء انسحاب أبوظبي تمثل بالنسبة إليها فتحاً طال انتظاره، بعد أن تحولت الإمارات إلى حجر عثرة أمام الشرعية في عدن، على نحو خاصٍ.
في السياق، جاء تصريح قرقاش على حسابه في "تويتر" يوم الاثنين الماضي، كأول تعليق إماراتي رسمي على أحادث الانسحاب من اليمن، بالنفي الضمني لوجود خلافات مع السعودية، وقال إن "التحالف العربي في اليمن وفي قلبه السعودية والإمارات صلب وقوي، وعزّز آلياته في امتحان الأزمة والحرب". وأضاف أن "التحالف يستعد للمرحلة المقبلة بأدواته السياسية والعسكرية وبإصرار على تحقيق أهدافه الاستراتيجية"، وذلك في محاولة لنفي المعلومات التي تشير إلى أن التحالف السعودي الإماراتي، لم يعد بأفضل حالٍ، وأن أجندة أبوظبي الخاصة، باتت في الواقع أحد أبرز أسباب الفشل السعودي في الحرب المستمرة باليمن منذ سنوات.
وإذا كانت تصريحات الوزير الإماراتي، لم تقدم جديداً بشأن ما يتعلق بتقليص الوجود العسكري، والتأكيد على أن بلاده اتخذت خطوات بـ"إعادة نشر قواتها"، فإن أبرز ما تضمنه حديث قرقاش هو التأكيد على استمرار "الدور العسكري" لبلاده. هذا التصريح الذي يمكن قراءته من أكثر من زاوية، بما فيها انتهاء الظرف الذي استدعى تصريحات الانسحاب المسرّبة، وبأن رسائلها الدبلوماسية نحو المجتمع الدولي، والابتزازية بالنسبة للرياض، أدت ما عليها. وبصرف النظر عن تفاصيل أي نتائج وحسابات غير معلنة، فإن ردّ الفعل اليمني الملموس، كان واضحاً بأن ليس هناك من يأسف على دور الإمارات إن انتهى، باستثناء أذرعها التي تستخدمها لتقويض الشرعية اليمنية وتفتيت وحدة البلاد.