بعد حراك شعبي وسياسي متصاعد، قرر العاهل الأردني عبدالله الثاني، أمس الأحد، إنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام مع إسرائيل، ليستعيد الأردن هاتين المنطقتين، بعد 25 عاماً من إعطاء الاحتلال حق التصرف فيهما. وفيما قدّم الملك قراره هذا على أنه يأتي حرصاً على حماية مصالح بلاده ومواطنيه، إلا أنه لا يمكن النظر إلى هذا القرار بعيداً عن الفتور الذي يشوب العلاقات الأردنية الإسرائيلية الشائكة في الفترة الأخيرة، على الرغم من عودة تبادل السفراء بين البلدين، وتحديداً بعد قرارات حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة التي استهدفت حل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأبرزها إقرار قانون القومية اليهودي، وقبله المساعي الإسرائيلية التي أسفرت عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة وإعلان واشنطن للمدينة عاصمة لإسرائيل، بما يُشكّل ضرباً للموقف الأردني تجاه القضية الفلسطينية، القائم على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
كذلك تُشكّل تهديدات إسرائيل للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، والاستفزازات المتكررة، ومحاولات تغيير الهوية التاريخية العربية الإسلامية والمسيحية للمدينة، تحدياً كبيراً أمام الأردن، ليأتي قرار إلغاء ملحقي الباقورة والغمر أمس كرد يحمل قيمة معنوية، ومدلولاً سياسياً على أن الأردن يسعى لاستغلال أوراق القوة التي يملكها للدفاع عن كل مصالحه، وفق ما يقول محللون سياسيون. كما يأتي إعلان الملك عبدالله لهذا القرار الهام في السياسة الخارجية، كإشارة صريحة إلى أنه هو القائد الأول للدبلوماسية الأردنية، وهو صاحب القرار والولاية في القضايا المصيرية والهامة التي تمس الأردن والأردنيين، وذلك في وقت تتصاعد فيه التحركات والمطالب الشعبية الأردنية المحتجة على كل أشكال التعاون مع الاحتلال.
وأعلن الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه أمس عدداً من الشخصيات السياسية، أنه تم إعلام إسرائيل أمس بالقرار الأردني بإنهاء العمل بالملحقين، مضيفاً "لطالما كانت الباقورة والغمر على رأس أولوياتنا، وقرار إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام يأتي انطلاقاً من حرصنا على اتخاذ كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيين". وأضاف: "أولوياتنا في مثل هذه الظروف الإقليمية الصعبة هي حماية مصالحنا، وعمل كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيين"، مشدداً على أن "الباقورة والغمر أراضٍ أردنية وستبقى أردنية، ونحن نمارس سيادتنا بالكامل على أراضينا".
وسارع مجلس الوزراء الأردني لعقد جلسة طارئة لتنفيذ القرار الملكي بإنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام مع إسرائيل، وبحث التفاصيل المتعلقة بهما. من جهتها، سلّمت وزارة الخارجية الأردنية نظيرتها الإسرائيلية مذكرتين أبلغت عبرهما الحكومة الإسرائيلية قرار عمّان إنهاء الملحقين. وقالت الخارجية في بيان إنها سلّمت المذكرتين للحكومة الإسرائيلية وفقاً لنصوص الملحقين رقم 1/ب و1/ج اللذين ينصان في البند السادس منهما على سريانهما لمدة 25 سنة منذ تاريخ دخول معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية حيز النفاذ وعلى تجديدهما تلقائياً لمدد مماثلة، ما لم يقم أي من الطرفين بإخطار الطرف الثاني بإنهاء العمل بالملحقين قبل سنة من تاريخ التجديد.
الرد الإسرائيلي على الخطوة الأردنية لم يتأخر، إذ أعلن نتنياهو أن حكومته ستدخل في مفاوضات مع الأردن من أجل تمديد فترة استئجار منطقتي الباقورة والغمر. نتنياهو الذي كان يتحدث في مراسم رسمية بالذكرى الـ23 لاغتيال إسحاق رابين، وصف السلام مع الأردن بأنه "سلام حقيقي"، قائلاً إن "معاهدات السلام مع الأردن ومصر أثبتت نفسها لجهة التعاون الوثيق بين هذه الدول". وأضاف أن تل أبيب تحسن علاقاتها مع مزيد من الدول العربية الأخرى، التي لم تعد تعتبر إسرائيل خطراً عليها، بل ترى فيها شريكاً في مواجهة الخطر الإيراني والتهديدات الأخرى. وأقر نتنياهو بالفجوة بين مواقف الأنظمة العربية ومواقف الشارع العربي، لكنه زعم أن هناك تحولاً في الشارع العربي، وإن كان تدريجياً لصالح تحسين مواقفه ونظرته من إسرائيل، ما ينعكس على صفحات التواصل الاجتماعية.
وجاء القرار الأردني في وقت حرج مع اقتراب المهلة القانونية لذلك، فقد اشترطت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل على الجانب الأردني إبلاغ الاحتلال قبل عام بعدم تجديد الاتفاقية. ونصّ أحد بنود اتفاقية وادي عربة على أنه "يحق لأي من الطرفين عدم تجديد الاتفاقية شرط إبلاغ الطرف الآخر قبل انتهاء المدة بعام"، وبالتالي وفق هذا البند تستطيع الحكومة إبلاغ الجانب الإسرائيلي بعدم رغبتها التجديد في موعد أقصاه 26 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وإن حدث ما هو خلاف ذلك يتم تمديد الاتفاقية تلقائياً لخمسة وعشرين عاماً جديدة.
وكانت المطالب الشعبية والسياسية قد تصاعدت في الأيام الأخيرة للمطالبة بإنهاء الملحقين. وشهدت العاصمة عمّان يوم الجمعة الماضي مسيرة احتجاجية على صمت الحكومة حول أراضي الباقورة والغمر، مطالبة الحكومة بضرورة إعلان موقفها الواضح والصريح بعدم تجديد تأجير هذه الأراضي للاحتلال وإبلاغه بذلك رسمياً. كذلك وقّع 87 نائباً مذكرة طالبت الحكومة باتخاذ قرار حول عدم تجديد تأجير الأراضي الأردنية للاحتلال، كما قال النائب خالد رمضان في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، موضحاً حينها أن النواب يطالبون وفق صلاحياتهم الدستورية بموقف واضح من الاتفاقية وهو عدم التجديد.
كذلك، كانت مجموعة من النشطاء قد قامت خلال الفترة الماضية بتأسيس "الحملة الوطنية لاستعادة الباقورة والغمر" (أراضينا) التي حذرت الحكومة من استمرارها في التعامل مع قضية تمس السيادة الوطنية باعتبارها شأنا صغيراً تقرره الحكومة وحدها، مذكرة أن "الشعب هو مصدر السلطات وصاحب القرار، وهو غير جاهل في مصالحه الوطنية العليا، من دون التفريط بحقوقه وسيادته وكرامته، وعليها الاستماع لرغبة الشارع في تحديد مصالح الوطن وأولوياته". وإزاء هذه التحركات، أعلن رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، خلال لقائه مجموعة شبابية الخميس الماضي، أن الصمت الحكومي حول قضية تأجير أراضي الباقورة والغمر لن يطول.
اقــرأ أيضاً
ولاقى القرار الأردني المعلن أمس، ترحيباً شعبياً وسياسياً كبيراً وانعكس الأمر في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف النشطاء هذا القرار بالتاريخي، من خلال هاشتاغ "الباقورة_والغمر" الذي تصدّر موقع "تويتر".
وقال منسق "الحملة الوطنية لاستعادة الباقورة والغمر" (أراضينا)، ياسر المعادات، لـ"العربي الجديد"، إن القرار جاء بعد جهود كبيرة من القوى الوطنية، لافتاً إلى أن جهود الحملة مستمرة منذ سبعة شهور، بعد التقاء مجموعة من الشباب المؤمنين بفكرة الحركة الوطنية، والمنادين بعدم قبول بقاء أي جزء من الأراضي الأردنية تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي. وأوضح أن ملاحق معاهدة السلام لم تكن معروفة للأردنيين ولا حتى لمجلس النواب الذي وافق على الاتفاقية، مشيراً إلى أن الحكومات المتتالية أبقت الأمر سراً، حتى كشفه باحثون ومنهم شاب يدعى شاكر جرار. وقال إن العمل تم من خلال الحركة بالتعاون مع مختلف القوى الوطنية والأحزاب والنقابات، وتكللت الجهود بتحقق الهدف وعودة السيادة على هذه الأراضي.
من جهته، قال نقيب الصحافيين الأردنيين، راكان السعايدة، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا القرار هو انحياز لإرادة الشعب، وإحساس عالٍ من الملك بنبض الشارع، الذي لا يقبل أن يستمر الوجود الإسرائيلي على أرضه، وهو قرار يرتبط بالكرامة والسيادة الوطنية". وأضاف أن "القرار أيضاً يتعلق بالملك الذي لا يرضى إلا بتحقيق كامل السيادة للأردن على أراضيه". كما لفت السعايدة إلى أنه "يجب النظر إلى هذا القرار في سياق أوسع، وهو الاشتباك في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، والخلاف المتعلق بالقضية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن "ما حدث اليوم (أمس) حلقة أخرى من الصدام الذي وقع خلال الفترة الماضية بعد قرار نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، والموقف الأردني تجاه هذه القضية". وشدد على أن الأردن لن يرضى إلا بالحلول العادلة، ولن يقبل بأي حل للقضية الفلسطينية إلا باستعادة كافة الاراضي المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
من جهته، أشاد رئيس مجلس النواب الأردني، عاطف الطراونة، بقرار إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام مع إسرائيل، مشيراً إلى أن السيادة الأردنية تتمثّل بقيادة البلاد نحو القرار الصائب. وأضاف في تصريحات صحافية، أن الملك "بهذا القرار ينتصر لإرادة الأردنيين الحرة باستعادة الباقورة والغمر، ويغلق الباب أمام محاولات النيل من استقلالية قراراتنا".
بدوره، ثمّن حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسي لحركة "الإخوان المسلمين"، "الموقف الملكي الذي استجاب للإرادة الشعبية". وأشاد الحزب في بيان له، بهذا القرار و"كل قرار من شأنه أن ينتصر للسيادة والكرامة الوطنية، وأن يأخذ بعين الاعتبار اتخاذ ما يلزم من أجل النهوض بالأردن والأردنيين، على المستويين الداخلي والخارجي، وعلى كافة الصُعد المختلفة". وعبّر الحزب عن أمله في "أن يُستتبع ذلك، بإنهاء اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني، وصولاً إلى إلغاء اتفاقية وادي عربة".
كما أن الترحيب بالقرار عمّ الشارع الأردني. وقال المواطن محمد أبو شيخة لـ"العربي الجديد"، "إننا اليوم فخورون بجلالة الملك لانتصاره للشعب الأردني بعدم تمديد العقد حول أراضي الباقورة والغمر، وهذا هو الأردن على الرغم من الداء والأعداء لا يمكن أن يتنازل عن مواقفه الوطنية والقومية الثابتة". وأضاف "على الرغم من تصريح نتنياهو أننا سوف نتفاوض مع الأردن بخصوص الأرض، لكن موقف الملك كان واضحاً: لن نتفاوض".
يُذكر أن قصة الباقورة في محافظة إربد، تعود إلى عام 1926، حين باعت الحكومة الأردنية لأحد الزعماء الصهاينة ويدعى بنحاس روتنبرغ، 6 آلاف دونم من أراضيها لاستخدامها في مشروع لتوليد الكهرباء، إلا انه استخدم جزءاً من هذه الأراضي، فيما ذهب جزء منها للوكالة اليهودية، على الرغم من أن عقد البيع اشترط إعادة ما يزيد عن حاجته للأردن.
وفي ذلك الوقت قاطع الكثير من أهالي محافظات الشمال الكهرباء التي ولّدها المشروع، قبل أن تتوقف المحطة عن العمل بعد قصفها في حرب عام 1948. وفي العام 1950 استولى جيش الاحتلال على 1390 دونماً من أراضي الباقورة، واكتفى الأردن حينها بتقديم شكوى لمجلس الأمن. وفي مفاوضات وادي عربة استعاد الأردن 560 دونماً من الباقورة، بينما وُضعت 830 دونماً تحت نظام خاص أشبه بالتأجير لإسرائيل لمدة 25 عاماً بعد أن ادعت أنّ لها حقوق ملكية خاصة فيها. فيما كانت الغمر الواقعة في محافظة العقبة، ضمن مئات الكيلومترات الأخرى التي احتلها الاحتلال عقب حرب 1967، إذ استولى مستوطنون على أراضٍ زراعية ومياه جوفية منذ عقود، بخرقهم حدود هدنة 1967 وعلى امتداد 128 كيلومتراً من الحدود طولاً، وبمساحة كلية تصل إلى 387.4 كيلومتراً مربعاً.
اقــرأ أيضاً
كذلك تُشكّل تهديدات إسرائيل للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، والاستفزازات المتكررة، ومحاولات تغيير الهوية التاريخية العربية الإسلامية والمسيحية للمدينة، تحدياً كبيراً أمام الأردن، ليأتي قرار إلغاء ملحقي الباقورة والغمر أمس كرد يحمل قيمة معنوية، ومدلولاً سياسياً على أن الأردن يسعى لاستغلال أوراق القوة التي يملكها للدفاع عن كل مصالحه، وفق ما يقول محللون سياسيون. كما يأتي إعلان الملك عبدالله لهذا القرار الهام في السياسة الخارجية، كإشارة صريحة إلى أنه هو القائد الأول للدبلوماسية الأردنية، وهو صاحب القرار والولاية في القضايا المصيرية والهامة التي تمس الأردن والأردنيين، وذلك في وقت تتصاعد فيه التحركات والمطالب الشعبية الأردنية المحتجة على كل أشكال التعاون مع الاحتلال.
وسارع مجلس الوزراء الأردني لعقد جلسة طارئة لتنفيذ القرار الملكي بإنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام مع إسرائيل، وبحث التفاصيل المتعلقة بهما. من جهتها، سلّمت وزارة الخارجية الأردنية نظيرتها الإسرائيلية مذكرتين أبلغت عبرهما الحكومة الإسرائيلية قرار عمّان إنهاء الملحقين. وقالت الخارجية في بيان إنها سلّمت المذكرتين للحكومة الإسرائيلية وفقاً لنصوص الملحقين رقم 1/ب و1/ج اللذين ينصان في البند السادس منهما على سريانهما لمدة 25 سنة منذ تاريخ دخول معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية حيز النفاذ وعلى تجديدهما تلقائياً لمدد مماثلة، ما لم يقم أي من الطرفين بإخطار الطرف الثاني بإنهاء العمل بالملحقين قبل سنة من تاريخ التجديد.
الرد الإسرائيلي على الخطوة الأردنية لم يتأخر، إذ أعلن نتنياهو أن حكومته ستدخل في مفاوضات مع الأردن من أجل تمديد فترة استئجار منطقتي الباقورة والغمر. نتنياهو الذي كان يتحدث في مراسم رسمية بالذكرى الـ23 لاغتيال إسحاق رابين، وصف السلام مع الأردن بأنه "سلام حقيقي"، قائلاً إن "معاهدات السلام مع الأردن ومصر أثبتت نفسها لجهة التعاون الوثيق بين هذه الدول". وأضاف أن تل أبيب تحسن علاقاتها مع مزيد من الدول العربية الأخرى، التي لم تعد تعتبر إسرائيل خطراً عليها، بل ترى فيها شريكاً في مواجهة الخطر الإيراني والتهديدات الأخرى. وأقر نتنياهو بالفجوة بين مواقف الأنظمة العربية ومواقف الشارع العربي، لكنه زعم أن هناك تحولاً في الشارع العربي، وإن كان تدريجياً لصالح تحسين مواقفه ونظرته من إسرائيل، ما ينعكس على صفحات التواصل الاجتماعية.
وجاء القرار الأردني في وقت حرج مع اقتراب المهلة القانونية لذلك، فقد اشترطت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل على الجانب الأردني إبلاغ الاحتلال قبل عام بعدم تجديد الاتفاقية. ونصّ أحد بنود اتفاقية وادي عربة على أنه "يحق لأي من الطرفين عدم تجديد الاتفاقية شرط إبلاغ الطرف الآخر قبل انتهاء المدة بعام"، وبالتالي وفق هذا البند تستطيع الحكومة إبلاغ الجانب الإسرائيلي بعدم رغبتها التجديد في موعد أقصاه 26 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وإن حدث ما هو خلاف ذلك يتم تمديد الاتفاقية تلقائياً لخمسة وعشرين عاماً جديدة.
وكانت المطالب الشعبية والسياسية قد تصاعدت في الأيام الأخيرة للمطالبة بإنهاء الملحقين. وشهدت العاصمة عمّان يوم الجمعة الماضي مسيرة احتجاجية على صمت الحكومة حول أراضي الباقورة والغمر، مطالبة الحكومة بضرورة إعلان موقفها الواضح والصريح بعدم تجديد تأجير هذه الأراضي للاحتلال وإبلاغه بذلك رسمياً. كذلك وقّع 87 نائباً مذكرة طالبت الحكومة باتخاذ قرار حول عدم تجديد تأجير الأراضي الأردنية للاحتلال، كما قال النائب خالد رمضان في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، موضحاً حينها أن النواب يطالبون وفق صلاحياتهم الدستورية بموقف واضح من الاتفاقية وهو عدم التجديد.
كذلك، كانت مجموعة من النشطاء قد قامت خلال الفترة الماضية بتأسيس "الحملة الوطنية لاستعادة الباقورة والغمر" (أراضينا) التي حذرت الحكومة من استمرارها في التعامل مع قضية تمس السيادة الوطنية باعتبارها شأنا صغيراً تقرره الحكومة وحدها، مذكرة أن "الشعب هو مصدر السلطات وصاحب القرار، وهو غير جاهل في مصالحه الوطنية العليا، من دون التفريط بحقوقه وسيادته وكرامته، وعليها الاستماع لرغبة الشارع في تحديد مصالح الوطن وأولوياته". وإزاء هذه التحركات، أعلن رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، خلال لقائه مجموعة شبابية الخميس الماضي، أن الصمت الحكومي حول قضية تأجير أراضي الباقورة والغمر لن يطول.
ولاقى القرار الأردني المعلن أمس، ترحيباً شعبياً وسياسياً كبيراً وانعكس الأمر في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف النشطاء هذا القرار بالتاريخي، من خلال هاشتاغ "الباقورة_والغمر" الذي تصدّر موقع "تويتر".
من جهته، قال نقيب الصحافيين الأردنيين، راكان السعايدة، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا القرار هو انحياز لإرادة الشعب، وإحساس عالٍ من الملك بنبض الشارع، الذي لا يقبل أن يستمر الوجود الإسرائيلي على أرضه، وهو قرار يرتبط بالكرامة والسيادة الوطنية". وأضاف أن "القرار أيضاً يتعلق بالملك الذي لا يرضى إلا بتحقيق كامل السيادة للأردن على أراضيه". كما لفت السعايدة إلى أنه "يجب النظر إلى هذا القرار في سياق أوسع، وهو الاشتباك في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، والخلاف المتعلق بالقضية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن "ما حدث اليوم (أمس) حلقة أخرى من الصدام الذي وقع خلال الفترة الماضية بعد قرار نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، والموقف الأردني تجاه هذه القضية". وشدد على أن الأردن لن يرضى إلا بالحلول العادلة، ولن يقبل بأي حل للقضية الفلسطينية إلا باستعادة كافة الاراضي المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
من جهته، أشاد رئيس مجلس النواب الأردني، عاطف الطراونة، بقرار إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام مع إسرائيل، مشيراً إلى أن السيادة الأردنية تتمثّل بقيادة البلاد نحو القرار الصائب. وأضاف في تصريحات صحافية، أن الملك "بهذا القرار ينتصر لإرادة الأردنيين الحرة باستعادة الباقورة والغمر، ويغلق الباب أمام محاولات النيل من استقلالية قراراتنا".
كما أن الترحيب بالقرار عمّ الشارع الأردني. وقال المواطن محمد أبو شيخة لـ"العربي الجديد"، "إننا اليوم فخورون بجلالة الملك لانتصاره للشعب الأردني بعدم تمديد العقد حول أراضي الباقورة والغمر، وهذا هو الأردن على الرغم من الداء والأعداء لا يمكن أن يتنازل عن مواقفه الوطنية والقومية الثابتة". وأضاف "على الرغم من تصريح نتنياهو أننا سوف نتفاوض مع الأردن بخصوص الأرض، لكن موقف الملك كان واضحاً: لن نتفاوض".
يُذكر أن قصة الباقورة في محافظة إربد، تعود إلى عام 1926، حين باعت الحكومة الأردنية لأحد الزعماء الصهاينة ويدعى بنحاس روتنبرغ، 6 آلاف دونم من أراضيها لاستخدامها في مشروع لتوليد الكهرباء، إلا انه استخدم جزءاً من هذه الأراضي، فيما ذهب جزء منها للوكالة اليهودية، على الرغم من أن عقد البيع اشترط إعادة ما يزيد عن حاجته للأردن.
وفي ذلك الوقت قاطع الكثير من أهالي محافظات الشمال الكهرباء التي ولّدها المشروع، قبل أن تتوقف المحطة عن العمل بعد قصفها في حرب عام 1948. وفي العام 1950 استولى جيش الاحتلال على 1390 دونماً من أراضي الباقورة، واكتفى الأردن حينها بتقديم شكوى لمجلس الأمن. وفي مفاوضات وادي عربة استعاد الأردن 560 دونماً من الباقورة، بينما وُضعت 830 دونماً تحت نظام خاص أشبه بالتأجير لإسرائيل لمدة 25 عاماً بعد أن ادعت أنّ لها حقوق ملكية خاصة فيها. فيما كانت الغمر الواقعة في محافظة العقبة، ضمن مئات الكيلومترات الأخرى التي احتلها الاحتلال عقب حرب 1967، إذ استولى مستوطنون على أراضٍ زراعية ومياه جوفية منذ عقود، بخرقهم حدود هدنة 1967 وعلى امتداد 128 كيلومتراً من الحدود طولاً، وبمساحة كلية تصل إلى 387.4 كيلومتراً مربعاً.