وفي آخر نشاطاته، أعلن المكتب، يوم الجمعة الماضي، أنه تمكن من تفكيك "خلية إرهابية" تتكون من 8 متطرفين ينشطون في مدينة طنجة شمال البلاد، تتراوح أعمارهم بين 20 و31 سنة، من بينهم شقيق مقاتلين في صفوف تنظيم "داعش" في الساحة السورية العراقية.
وأفاد المكتب بأن هذه العملية تندرج في إطار المجهودات المتواصلة للمصالح الأمنية المغربية، من أجل درء كل المخاطر التي من شأنها المسّ بأمن واستقرار المملكة. ولا يعد هذا الإعلان الأول من نوعه؛ إذ سبق أن أعلن عن عمليات مماثلة.
وتتجه الأنظار نحو المكتب راهناً مع بدء المغرب باستعادة مواطنيه من بؤر التوتر في سورية والعراق، علماً أن الخيام كان قد اعتبر، في تصريحات صحافية، أن عودة المغاربة المقاتلين في صفوف "داعش" إلى بلادهم "تشكّل خطراً حقيقياً"، مقدّراً عدد هؤلاء بأكثر من 1600 فرد.
ويتخصص المكتب المركزي للأبحاث القضائية، ومقرّه في مدينة سلا المحاذية للعاصمة المغربية الرباط، في اقتفاء آثار الجماعات والخلايا الإرهابية والعصابات الخطيرة في ترويج المخدرات وتبييض الأموال، وغيرها من الجرائم المعقّدة. وعلى الرغم من أن المكتب يُعرف اختصاراً بـ"البسيج"، إلا أن كثرا يطلقون عليه لقب "أف بي آي" المغرب؛ نظراً للمهمات الحساسة على عاتقه.
ويدير المكتب، منذ تأسيسه في عام 2015، عبد الحق الخيام، الذي يتحدّر من الحي الشعبي درب السلطان في الدار البيضاء، ولم يكن ممكناً له تبوّؤ رئاسة مؤسسة أمنية كبيرة وحساسة تابعة لمديرية مراقبة التراب الوطني المعروفة بـ"المخابرات الداخلية"، لولا مهاراته المهنية ونجاحه في حل قضايا أمنية صعبة عندما كان يعمل أمنياً في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. ويدلّ مسار الخيام على أنه رجل أمن ومخابرات بامتياز، ولم يُعرف عنه أبداً تعاطيه السياسة أو الشأن الحزبي.
تخرّج الخيام من المعهد الملكي للشرطة في مدينة القنيطرة، وتدرّج في الإدارات الأمنية المختلفة، إلى أن عُيّن والياً للأمن بالبيضاء عام 2015، وبعدها مباشرة تم تعيينه على رأس المكتب المركزي للأبحاث القضائية المحدّث في مارس/آذار 2015. والمكتب المركزي للأبحاث القضائية يضمّ كوادر أمنية مدربة في أميركا ودول أوروبية على التدخلات الأمنية والميدانية المحترفة. ونال هؤلاء تعليماً عالياً في حقوق الإنسان. كما أن أغلب العاملين الأمنيين في هذه المؤسسة غير معروفين، وسرّيون.
ويُسجّل للخيام أنه جمع بين 3 وجوه تبدو متباعدة، فهو يمتلك روح "المسؤول الأمني الصارم في عمله"، بدليل وقوفه وراء فك شيفرة العديد من القضايا الإجرامية الكبيرة، وفي نفس الوقت يحتفظ بـ"شعبيته"، فضلاً عن تواصله المتاح مع وسائل الإعلام الوطنية والدولية بأريحية تغيب عادة عن العديد من مسؤولي الأمن.
وسبق للخيام أن كشف شحنات مخدرات كثيرة، ومنها حجزه كمية قياسية لم يسبق لها مثيل في تاريخ المغرب عام 2017، حين تمكن من اكتشاف شحنة محمّلة بطنّين و588 كيلوغراماً من الكوكايين.
ويقف الخيام أيضاً وراء العديد من عمليات تفكيك خلايا إرهابية كانت تخطط لاعتداءات، تتضمن استهداف شخصيات وأماكن حساسة، اتساقاً مع السياسة الأمنية الاستباقية التي ينتهجها المغرب، وأفلحت في كثير من الأحيان في تجنيب البلاد عمليات إرهابية خطيرة، كما ساهمت في إنقاذ عدد من البلدان الأوروبية من عمليات دموية محتملة، مثل بلجيكا وفرنسا وإسبانيا.
للخيام وجه آخر بعيد تماماً عن وجهه الأمني، إذ يتعامل بسلاسة مع الناس، رغم كونه "الرجل الثاني" في هرم السياسة الأمنية والمخابراتية في البلاد، بعد رئيسه عبد اللطيف الحموشي. وشوهد الخيام، في أكثر من مرة، في حيّه الشعبي الذي وُلد فيه، وهو يتجاذب أطراف الحديث مع مواطنين ممن يرغبون في التقاط الصور معه، كما أنه "قريب" من الناس يحدثهم ويحضر أفراحهم وأتراحهم، كما لا يخفي ميوله الكروية والرياضية، فهو من عشاق نادي الرجاء البيضاوي المغربي ونادي يوفنتوس الإيطالي. وعلى غير عادة مسؤولي الأمن والمخابرات، يحسن الخيام التكلم مع الإعلام، ويمنح وقتاً معتبراً لشرح تفاصيل العمليات التي يقوم بها المكتب المركزي للصحافة، فلا يمانع في الحديث للصحافة الوطنية والدولية على السواء.