اختبار هدنة الحديدة: محاور الاشتباك على الأطراف التحدي الأصعب

18 ديسمبر 2018
احتدمت المعارك أمس الاثنين (فرانس برس)
+ الخط -
بالتزامن مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الاستراتيجية، غربي اليمن، حيّز التنفيذ، فجر اليوم الثلاثاء، تتجه الأنظار لمعرفة ما إذا كانت أصوات الاشتباكات والغارات ستهدأ أم أن الخروقات ستتواصل لتطيح بالمساعي والاتصالات التي بذلت خلال الساعات الـ24 الماضية لمنع انهيار الاتفاق بشأن الحديدة، لا سيما أن الفشل سيطيح على الأرجح بباقي التفاهمات التي تم التوصل إليها في مشاورات السويد بين الحكومة الشرعية والحوثيين. ويحاول المجتمع الدولي الذي ضغط لعقد المحادثات تحصين الاتفاق وسط معلومات ذكرتها وكالة فرانس برس نقلاً عن دبلوماسيين تفيد بأنه من المحتمل التصويت على قرار في مجلس الأمن الدولي حول اتفاقات السويد هذا الأسبوع، وذلك بعد أيام من دعوة المبعوث الأممي مارتن غريفيث مجلس الأمن الدولي إلى العمل سريعاً على إنشاء "نظام مراقبة قوي وكفوء"  لمراقبة تطبيق الاتفاق في الحديدة. 

وتعد محاور الاشتباك المنتشرة على امتداد أطراف المدينة الشرقية والجنوبية وصولاً إلى مناطق متفرقة جنوب المحافظة، والتي تتقاسم السيطرة عليها القوات المدعومة من التحالف والشرعية وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، الأصعب، بانتظار وصول مراقبين أممين للإشراف على الهدنة.
وسبقت بدء سريان الهدنة، فجر اليوم الثلاثاء، بناءً على الموعد الذي أبلغه المبعوث الأممي  مارتن غريفيث، إلى الطرفين المتقاتلين، تصريحات أممية ويمنية وحتى صادرة عن التحالف، من وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، غير أن آلية تطبيق الاتفاق غير واضحة.

في هذا السياق، كشف مصدر في التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، أن "آلية تطبيق الاتفاق (وقف إطلاق النار) لم تكن واضحة في البداية وليست واضحة بشكل كامل حتى الآن"، مضيفاً أن "التحالف ينتظر الإعلان الرسمي من الأمم المتحدة حول الآلية. وعلى الحوثيين الانسحاب من موانئ محافظة الحديدة (الحديدة والصليف ورأس عيسى)، بحلول نهاية يوم 31 ديسمبر/ كانون الأول. كما أنّه يتوجب عليهم مع القوات الحكومية الانسحاب من المدينة بحلول نهاية يوم 7 يناير/ كانون الثاني المقبل". وشدّد على أن "لا نية للتحالف لخرق الاتفاق، وسيقوم بكل ما بوسعه لاحترامه".

ميدانياً، لا يزال الحوثيون يحتفظون بأفضلية السيطرة الميدانية على معظم مناطق الحديدة، سواء بالنسبة لمناطق المحافظة (المدن والبلدات الريفية). ويحتفظون بالسيطرة على الجزء الأكبر من أحياء مدينة الحديدة، بما فيها المنشآت الحيوية، كميناء الحديدة (الميناء الرئيسي والأكبر)، وميناء الصليف (مخصص لاستقبال الشحنات الكبيرة)، وميناء رأس عيسى، الخاص بتصدير النفط، فضلاً عن مركز المحافظة، لكنهم أصبحوا مهددين أكثر من أي وقتٍ مضى، بعد وصول القوات الحكومية إلى أجزاء من المدينة.
على الجهة الأخرى، تبدأ مناطق سيطرة الشرعية في الجزء الساحلي من المديريات الجنوبية للمحافظة، من مديرية الخوخة، التي دخلتها القوات الحكومية في ديسمبر 2017، ثم تمددت خلال عام 2018، باتجاه مديريات حيس، والتحيتا، وبيت الفقي، وصولاً إلى مديرية الدريهمي، على أطراف المدينة.
وعلى مستوى المدينة، تمثل أبرز المناطق التي توجد فيها قوات الشرعية، أو تحولت إلى مناطق غير آمنة وساحة للاشتباكات، المدخل الشرقي للحديدة، بما فيه الطريق الرئيسي إلى صنعاء في منطقة كيلو 10 ومنطقة الدوار، مروراً بالمناطق المحيطة بمطار الحديدة الدولي وأجزاء من شارع الخمسين، حيث مستشفى 22 مايو، وحي 7 يوليو. وأظهرت مقاطع مصورة بثتها قوات "ألوية العمالقة" (التابعة للحكومة)، وهي القوة الرئيسية المشاركة في المواجهات ضد الحوثيين، وصول قوات الشرعية إلى مناطق قريبة من ميناء الحديدة، على الشريط الساحلي، عقب مواجهات مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي كانت الموجة الأعنف في معركة الحديدة وتوقفت بضغوط دولية.

ووفقاً لما ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، فقد "شهدت الأيام الثلاثة الأخيرة، التي أعقبت الإعلان عن اتفاق السويد، معارك عنيفة على أطراف المدينة الجنوبية والشرقية، تبادل فيها الطرفان الاتهامات بتنفيذ هجمات، وتركزت في مديرية الدريهمي، وصولاً إلى منطقة كيلو 16، على الخط الرابط بين صنعاء والحديدة، وحتى أحياء على أطراف المدينة، تمثل إجمالاً أكثر مناطق الاشتباكات حساسية، لقربها من وسط المدينة". وأدى القتال، أمس الاثنين، إلى مقتل 12 شخصاً على الأقل وإصابة 25 آخرين من الجانبين في مدينة الحديدة الساحلية الاستراتيجية.



من جهتها، ذكرت "ألوية العمالقة" أن "150 من مسلحي جماعة الحوثي، سقطوا بين قتيل وجريح في مواجهات جنوبي الحديدة". وكشف الموقع الإلكتروني لـ"الألوية" أنها "وبالتعاون مع لواء الزرانيق (يتبع للقوات الشرعية)، تصدت لهجوم شنته مليشيات الحوثي شرق مدينة الدُريهمي، جنوبي محافظة الحديدة، وتمكنت من قتل وجرح أكثر من 150 من الحوثيين". ونقل الموقع عن مصادر ميدانية أن "مسلحي الحوثي حاولوا الهجوم بشكل انتحاري في محاولة يائسة لإحراز تقدم، غير أن قوات الجيش تصدت لهم". وأضافت المصادر أن "قوات الجيش استولت على العديد من الأسلحة والذخائر المتوسطة والثقيلة أثناء إفشال الهجوم الحوثي".

ووفقاً لاتفاقية استوكهولم المعلنة من قبل الأمم المتحدة، عقب مشاورات السلام التي انعقدت لأسبوع واختتمت أعمالها الخميس الماضي، من المقرر أن تتوقف العمليات العسكرية بصورة شاملة، بالتزامن مع نشر مراقبين أمميين لتطبيق مدى الالتزام من قبل الأطراف، في واقعٍ ميداني صعبٍ يجعل من صمود أي هدنة تحدياً غاية في التعقيد، في ظل انتشار قوات الطرفين بمناطق اشتباكات متقاربة.

ويلزم الاتفاق الطرفين (القوات الحكومية والحوثيين)، بإنهاء المظاهر المسلحة في المدينة وسحب القوات من الموانئ والمدينة (مركز المحافظة)، بإشراف من لجنة إعادة الانتشار، المقرر أن ترأسها الأمم المتحدة وتضم أعضاء من الطرفين، على أن يتم الانسحاب إلى مواقع عسكرية محددة خارج المدينة، تفتح الباب أمام احتمال استمرار المعارك خارج المدينة، على أن الانسحاب من المدينة ذاته، ما زال مرهوناً بتجاوز التفسير الذي يقدمه الطرفان حالياً، إذ تقول الشرعية إن الاتفاق يلزم الحوثيين بالانسحاب، فيما يقول الحوثيون إن "من يجب أن ينسحب هو الطرف الآخر، وإنما عليهم فقط إنهاء المظاهر المسلحة"، ويكاد يكون الضغط الدولي عامل التهدئة الوحيد والأقوى، مع ضعف الحوافز الأخرى.

في موازاة التطورات الميدانية، ترأس الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، اجتماعاً مشتركاً لمستشاريه ورئيس وأعضاء الوفد المشارك في مشاورات السلام التي عقدت في السويد، 
بحضور رئيس الوزراء معين عبدالملك. وتطرق إلى المشاركة في محادثات السويد قائلاً
إن وفد الشرعية "مثّل إجماع الشعب اليمني" في مواجهة "الانقلاب وأدواته وداعميه وعناصره". وأشار إلى أن المشاركة أتت "انطلاقاً من حرصنا الدائم نحو السلام الذي ننشده وقدمنا في سبيله التضحيات الجسيمة واستجابة لمساعي الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن وجهود المجتمع الدولي، وقبل كل ذلك دور الأشقاء في دول التحالف العربي، ذهبنا وأيادينا ممدودة للسلام في السويد وقبله في محطات عدة في جنيف وبيل والكويت لحقن الدماء وعودة الحياة والأمن والاستقرار لربوع الوطن، لتحقيق السلام المرتكز على المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الأممية ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216".