وخطا حزب "الشعب الجمهوري"، يوم الأحد الماضي، أولى خطواته في تكوين التحالف المعارض، وذلك بعد الدعم الكبير الذي قدمه لـ"الحزب الجيّد"، بزعامة رئيسة البرلمان السابقة، ميرال أكشنر، والمكون بشكل أساسي من منشقين عن حزب "الحركة القومية"، الذي يتزعمه دولت بهجلي، بعد التحالف الذي عقده الأخير مع حزب "العدالة والتنمية"، وتمّ من خلاله تمرير التعديلات الدستورية والتحوّل إلى النظام الرئاسي.
ورغم كونه حديث التأسيس، إلا أنّ "الحزب الجيّد" كان مركز الأضواء خلال الأيام الأخيرة، وذلك بعد أن واجه إمكانية منعه من خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، لأنه لم يستوفِ الشرط الذي يضعه قانون الأحزاب التركي، والقاضي بأن يمضي على تشكيل أي حزب يود خوض الانتخابات مدة ستة أشهر على تأسيسه. ولمواجهة هذه المشكلة، شهد يوم الأحد الماضي، استقالة 15 نائباً من حزب "الشعب الجمهوري" وانضمامهم لـ"الحزب الجيّد"، وبالتالي تمكّن الأخير من تلبية شرط تكوين الكتلة البرلمانية، بوصول عدد نوابه إلى عشرين نائباً في البرلمان، مما يجعل أمر منعه من خوض الانتخابات مستحيلاً، بحسب القانون.
ولم تمض ساعات على التحالف الجديد، حتى أصدرت الهيئة العليا للانتخابات التركية، قراراً حدد تفاصيل العملية الانتخابية، وكذلك الأحزاب التي يحق لها خوض الانتخابات، وكان من بينها "الحزب الجيّد" بزعامة أكشنر، التي كانت قد أعلنت في وقت سابق عن نيتها الترشّح للرئاسة. في غضون ذلك، ما زالت الكثير من تفاصيل التحالف المعارض قيد البحث، سواء لناحية طريقة خوض الانتخابات الرئاسية البرلمانية، وما إن كان سيقوم كل حزب بتسيير حملاته وقائمة مرشحيه للبرلمان بشكل منفرد أو سيتم الأمر بشكل جماعي، أو لناحية طريقة اختيار مرشح الرئاسة، إذ لا يزال البحث جارياً في ما إذا كان سيقوم كل حزب في التحالف المعارض بتقديم مرشحه الخاص للرئاسة على أن يتم التوافق على مرشح واحد في الجولة الثانية من الانتخابات أو سيتم التوافق منذ البداية على مرشح واحد.
وبحسب التسريبات، لم يتوافق الحزبان (الشعب الجمهوري والحزب الجيد) بشكل نهائي، وحتى الآن، سوى على تخفيض العتبة البرلمانية، سواء للأحزاب أو للتحالفات، إلى الصفر في المائة، بينما يفرض القانون الحالي على الأحزاب والتحالفات الحصول على نسبة العشرة في المائة لدخول البرلمان، وهي النسبة الأعلى في أوروبا، في الوقت الذي يبدو فيه بأن الأمور تسير نحو اعتماد التحالف المعارض لبرنامج انتخابي يقوم على العودة عن النظام الرئاسي ومنح المزيد من الصلاحيات للبرلمان التركي.
وبدأ "الشعب الجمهوري" أيضاً محادثاته مع مختلف الأحزاب المعارضة الصغيرة. وبينما يتم التحضير لعقد لقاءات مع حزب "الحرية والتضامن" (يساري) وحزب "اليسار"، التقى يوم أمس الإثنين، زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، بزعيم حزب السعادة (الذي أسسه رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان) تِمِل كارامولا أوغلو، وتم بحث طريقة التحالف بين الحزبين، وكذلك مسألة ترشيح رئيس الجمهورية السابق، عبد الله غول، في الوقت الذي لا يزال فيه الأخير يبدو متردداً في مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان.
وبعد اللقاء، أكد كارامولا أوغلو، أنّ المباحثات بين الجانبيين "كانت مثمرة"، مشيراً إلى أنّ "حسم تفاصيل التحالف وترشيح غول للرئاسة، سيتم في نهاية الأسبوع". ويبدو أنّ "الشعب الجمهوري" لن يعلن أي تحالف مع حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، وذلك بسبب عدم تمكّن الأخير من اتخاذ موقف واضح ضد هجمات "العمال الكردستاني" في الداخل التركي، وكذلك لقطع الطريق على التحالف الجمهوري وعدم السماح له بوسم التحالف الجديد بالإرهاب.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه الأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات، نفى زعيم الكتلة البرلمانية لـ"الشعب الجمهوري"، أوزغور أوزل، أن تكون ميرال أكشنر مرشحاً مشتركاً للتحالف المعارض، مشيراً إلى أنّ "الشعب الجمهوري" سيقدّم مرشحه الخاص، موضحاً "إن رشّح كلجدار أوغلو نفسه، فسيكون المرشح الأقوى". ومن المفترض أن يحسم "الشعب الجمهوري" قراره، اليوم الثلاثاء، باجتماع مجلس الحزب، في ما يخص ترشّح كلجدار أوغلو للرئاسة.
وفي حال قبل غول الترشّح عن التحالف المعارض بغطاء من حزب "السعادة"، سيواجه أردوغان، ومن ورائه التحالف الجمهوري منافسة صعبة في الانتخابات المقبلة، لأسباب عدة يأتي على رأسها شعبية غول، وكذلك قدرة حزب "السعادة" على سحب نسبة معتبرة من أصوات أنصار ومؤيدي حركة "ميلي غروش" (الرؤية الوطنية) التي أسسها نجم الدين أربكان من "العدالة والتنمية"، في الوقت الذي يشير فيه المراقبون إلى أن حظوظ "الحزب الجيّد" عالية في استمالة نسبة معتبرة من أنصار حزب "الحركة القومية" الساخطين على زعيم حزبهم إثر تحالفه مع أردوغان، بينما يتم التداول بين الأوساط السياسية في أنقرة أحاديث عن إمكانية انضمام خمسة من نواب الحركة القومية لـ"الحزب الجيّد"، ما قد يكون ضربة موجعة للحركة القومية.
وكان التحالف الجمهوري المكوّن من "الحركة القومية" وحزب "العدالة والتنمية" قد دعا إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة في 24 يونيو/حزيران المقبل، وهو ما أقره البرلمان بالفعل، بدلاً من نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل. وسيلي الانتخابات الحالية التحوّل الرسمي للنظام الرئاسي الذي تم إقراره بغالبية بسيطة خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي جرى في إبريل/نيسان من العام الماضي.