وفيما تحمل خطوة فتح المعبر أهمية للبلدان الثلاثة، فإنها تشكل مكانة استثنائية لطهران، التي تواجه حزمة العقوبات الأميركية الثانية، التي دخلت حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وشملت قطاعي النفط والمصارف بصورة رئيسية. وتعمل طهران على فتح متنفسٍ لها من هذه العقوبات، عبر البلدان التي لها نفوذٌ في الشرق الأوسط، تحديداً العراق، على الرغم من أن الأخير أعلن رسمياً، في أغسطس/ آب الماضي، على لسان رئيس وزرائه السابق، حيدر العبادي، أنه "من حيث المبدأ، نحن ضد العقوبات في المنطقة، لكننا سنلتزم بها لحماية مصالح شعبنا". وجاء إعلان العراق عزمه فتح أحد المعابر الثلاثة الرسمية مع سورية، على لسان الغانمي، عقب اللقاء الثلاثي في دمشق.
وبحسب وكالة "فرانس برس"، فإن "الغانمي قال بعد الاجتماع إن أمن الحدود مهم جداً وهو ممسوك من قبل القوات الأمنية العراقية والجيش العربي السوري، وستشهد الأيام القليلة المقبلة فتح المنفذ الحدودي واستمرار الزيارات والتجارة بين البلدين وقد تم تشكيل لجان من الطرفين".
ومع أن المسؤول العراقي لم يُسمِّ معبر البوكمال - القائم في تصريحاته، إلا أنه كان يقصده حتماً؛ إذ إنه المعبر الوحيد من بين ثلاثة معابر رسمية بين سورية والعراق، والخاضع لسيطرة قوات النظام السوري، بينما تُسيطر القوات الأميركية على المعبر الثاني في أقصى ريف حمص الجنوبي الشرقي، وهو التنف ــ الوليد، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) على المعبر الآخر في شرقي الحسكة وهو اليعربية ــ الربيعة.
وكان معبر البوكمال أحد أهم المعابر الثلاثة بين سورية والعراق، قبل عام 2011، قبل أن تسيطر عليه فصائل الجيش السوري الحر، في يوليو/ تموز 2012، ثم "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام)، التي خسرته لصالح تنظيم "داعش" عندما تمدد في محافظة دير الزور في عام 2014.
وكان لافتاً إعلان العراق فتح المعبر، بالتزامن مع زيارة باقري إلى محافظة دير الزور، يوم الإثنين الماضي، إذ زار مواقع عدة لمليشيات بلاده هناك، بما في ذلك بلدة الصالحية، الواقعة شمال البوكمال بنحو 40 كيلومتراً، في إشارة إلى أن المنطقة تحت النفوذ الإيراني.
وكان الحديث عن إعادة فتح معبر البوكمال ــ القائم قد طفا على السطح، منذ زيارة وزير الخارجية العراقي السابق، إبراهيم الجعفري، إلى دمشق، في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين أعلن ونظيره السوري، وليد المعلم حينها، أن "الجانبين تباحثا في مسألة إعادة فتح المعبر في أقرب وقت، بعد أن تم طرد داعش من محيط منطقة المعبر قبل ذلك بأشهر".
ويربط الأوتوستراد، الذي يمر بالمعبر، البلدين، إذ يأتي من بغداد نحو الفلوجة والرمادي وهيت وحديثة وصولاً للقائم، ثم يدخل سورية بعد ذلك، متجهاً شمالاً نحو مدينة الميادين ثم دير الزور، ويتفرع هناك إلى طريقين، أحدهما نحو حلب واللاذقية على البحر المتوسط، والثاني يتجه جنوباً، مروراً ببلدتي كباجب والسخنة بالبادية السورية، ثم مدينة تدمر، ومنها يتفرع بطريقين، أحدهما نحو الفرقلس ثم مدينة حمص، والثاني يتجه نحو القلمون الشرقي بريف دمشق، وصولاً إلى العاصمة السورية، حيث يرتبط بالطرقات الدولية التي تصل دمشق بلبنان، وبجنوب سورية.
ويأتي إعلان فتح المعبر ليدل على أن أهميته في المرحلة الحالية عسكرية - سياسية أكثر من كونها اقتصادية؛ إذ لإن الطريق من البوكمال نحو دمشق ما زال في عداد الطرق غير الآمنة تماماً، لوجود خلايا "داعش"، في جيوب صحراوية، قريبة من بلدات الشولة وكباجب والسخنة، التي يمر الطريق نحو دمشق قريباً منها.
إلا أن أولوية الأهمية العسكرية - السياسية للمعبر، بالنسبة لإيران والعراق وسورية، لا تلغي الأهمية الاقتصادية، إذ إنه يتيح إعادة طريق التجارة البري، من طهران وبغداد، إلى دمشق ثم بيروت، خصوصاً أن افتتاحه، إن تم فعلاً بعد أيام، كما قال الغانمي، سيأتي بعد أربعة أشهر من افتتاح معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن، في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كأول معبر لسورية يُفتح أمام حركة التجارة البرية مع دول الجوار، منذ سنوات، باستثناء المعابر مع لبنان، التي بقيت مفتوحة أمام حركة المسافرين والتجارة.