ويتحدث قادة عسكريون عراقيون لـ"العربي الجديد"، عن أنّ الحشد العسكري يتواصل منذ أسبوع، ويتضمّن لواء مدرعا وثلاثة ألوية مشاة وكتيبتَي صواريخ أرض أرض، فضلاً عن جهاز مكافحة الإرهاب والمئات من مقاتلي العشائر السنيّة المناهضة لتنظيم "داعش" تحت مظلّة واسعة من المقاتلات الأميركية التي تنطلق من قاعدة أنجرليك التركية.
وتقع الشرقاط التي تعتبر المركز الرئيسي للحضارة الآشورية في العراق، ويقسمها نهر دجلة إلى نصفَين على بُعد 115 كيلومتراً جنوب الموصل، وعلى بعد 125 كيلومتراً شمال تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، وأيضاً على بعد 135 كيلومتراً غرب كركوك. تعني كلمة الشرقاط باللغة الآشورية القديمة، "مدينة الذئاب". يقطنها نحو ربع مليون نسمة، وهي خليط من مجتمع عشائري مدني، وأبرز عشائرها؛ شمر والعبيد والجبور والحمدان والقيسيين الذين يمثلون أكثر العشائر مناهضة لتنظيم "داعش"، حالياً.
ويقول قائد عسكري بارز في وزارة الدفاع لـ"العربي الجديد"، إن "استعادة السيطرة على المدينة، تنهي آخر قلاع داعش في محافظة صلاح الدين وتحوّله إلى عصابات متناثرة بين بلدات صغيرة وقرى كبيرة داخل المحافظة، وتشلّ قدرته على شن الهجمات المؤثرة"، مضيفاً أنّ "المهمة لن تكون سهلة، لكن الاستعدادات كبيرة ونسعى لاستغلال ظرف التنظيم الحالي الذي تحوّل فيه إلى مرحلة الدفاع بدل الهجوم، وبسبب نقاط ضعف كثيرة تحيط التنظيم، أهمها التضاريس التي تصبّ لصالح الحشد العسكري المحيط بالمدينة".
ويلفت القائد العراقي وهو عميد ركن في وزارة الدفاع، إلى أن الطيران الأميركي سيتولى مهمة تدمير حقول الألغام والشاحنات المفخخة التي يقودها انتحاريون، فضلاً عن منصات الصواريخ والمدافع التي يملكها "داعش"، والتي تمنحه قوة تجبر أية قوات تهاجم المدينة على التراجع.
ووفقاً لتسريبات من قيادات عسكرية عليا حصلت عليها "العربي الجديد"، فإنّ عملية الهجوم على الشرقاط ستكون من خلال ثلاث مراحل؛ تبدأ بالهجوم على القرى الضعيفة المحيطة بالمدينة واستعادتها، ثمّ الثانية، وتتم بقصف على تلول الخاكونة المرتفعة التي تلف الجزء الجنوبي من المدينة لإجبار التنظيم على النزول منها، وتأمين تحرّك القوات البرية للتقدم إلى مركز المدينة.
اقرأ أيضاً: انتصارات سنجار والرمادي لمحاصرة "داعش" بالموصل قبل نهاية العام
وتقلّص نفوذ التنظيم على المدن العراقية في الربع الأخير من العام الحالي، بعد خسارته مدن الصينية وبيجي في صلاح الدين، عقب أشهر من خسارته لتكريت. كما خسر مساحات واسعة في الأنبار، تمثّلت بمدن وبلدات في أعالي الفرات وأجزاء من مدينة الرمادي، تعادل نحو 45 في المائة من مساحتها. وفي نينوى، تعرّض إلى هزيمة سريعة على يد ائتلاف كردي أميركي، تمكّن من انتزاع مدينة سنجار من سيطرته مطلع الشهر الحالي، ليبقى التنظيم مسيطراً على المدن الكبرى في المنطقتَين الشمالية والغربية، ويستميت في الدفاع عنها، وأهمها الموصل والبعاج شمالا، والفلوجة، والقائم، والرطبة غرباً، ومركز مدينة الرمادي.
ويقول عضو جمعية المحاربين القدامى، الخبير بالشأن الأمني العراقي، العميد المتقاعد فاضل الجاموس لـ"العربي الجديد"، إنّ "نجاح القوات العراقية في رهان الشرقاط، سيكون له أثر كبير في الساحة ليس على المستوى العسكري فحسب، بل على معنويات مقاتلي التنظيم، فضلاً عن أنّه سيقطع التواصل بين مقاتليه في الشطرَين الشماليين في العراق (الموصل وصلاح الدين)".
ويوضح الجاموس، أنّ "الدعم الأميركي المتزايد بات واضحاً في تحقيق الانتصارات، لكن هناك مشاكل تكمن في أنّ الأميركيين يتحفظون على أي وجود للمليشيات على الأرض التي يقدّمون لها المساعدة الجوية"، لافتاً إلى أنّ "الضربات الفرنسية لا تزال منذ أسبوع حتى الآن أشبه ما تكون بالانتقامية أو الدعائية الموجّهة للداخل الفرنسي، ولا يبدو أنها تتم وفق برنامج واضح، بل هجمات جوية على معاقل ومناطق متفرقة يسيطر عليها التنظيم على عكس الطيران الأميركي والكندي والبريطاني".
وعلى صعيد تحرير بقية المدن العراقية، وصل وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، الخميس الماضي، لمناقشة خطط عسكرية تتعلق بتحرير الموصل، وفقاً لبيان أعلنه مكتبه الخاص.
ويقول مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، النائب حامد المطلك، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "تحرير المدن سيكون سهلاً للغاية مع وجود جديّة أميركية أو نيّة وعزم منهم لتحريرها، كما شهدنا ذلك في بيجي". ويضيف المطلك، أنّ "الأميركيين يثقون بمثلث (العشائر، والبيشمركة، والجيش النظامي)، وبالإمكان أن يتعاملوا معهم في تحرير الشرقاط وغيرها، كونهم يعلمون بواقع الأمور أكثر من غيرهم ولقدرتهم الفائقة على حسم المعارك أكثر من أية دولة أخرى".
ويبيّن النائب، أنّ "إساءة أفراد في الحشد الشعبي، عند دخولهم المدن وقيامهم بأعمال حرق ونهب واعتداء وقتل، جعل الجميع يرغب بأن تتحرر المدن على يد أبنائها والقوات النظامية فقط، وهي حقيقة أدركها الجميع بعدما حصل في مدن جرف الصخر، والكرمة، وتكريت، وبيجي، وغيرها من جرائم أساءت للعراقيين والسلم الأهلي، ولا يختلف ذلك، عمّا سببّه داعش".
ويعتبر عضو اللجنة، أنّ "عمليات تحرير نظيف للمدن، هي حل عراقي بوجود العشائر والجيش والأميركيين من دون أن ندخل في متاهات انتقام طائفي أو عرقي، ونأمل أن يتحقق ذلك في الشرقاط من خلال العمليات والحشد الحالي"، مشدداً على رفضه التام لدخول مليشيا "الحشد الشعبي" للمناطق السنيّة، معتبراً ذلك، "فتنة نحن في غنى عنها، والعشائر وحدها تكفي، إذا تم تسليحها بشكل مناسب".
اقرأ أيضاً: مخاوف من عودة "داعش" للمناطق المحررة في صلاح الدين